Site icon روكب اليوم

ما مصير ملايين الأطفال الأميركيين المهددين بترحيل آبائهم؟ |

vwev 1751220524

روكب اليوم

واشنطن- تتصاعد المخاوف من سياسات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن توسيع برنامج الترحيل الجماعي للمهاجرين ذوي الوضعية غير القانونية، وأثرها على ملايين الأسر داخل الولايات المتحدة، لا سيما تلك التي تضم أطفالا يحملون الجنسية الأميركية.

ففي بلد يُفترض أن يكون “وطنا للمهاجرين”، يعيش نحو 5.6 ملايين طفل أميركي في أسر فيها أحد الأبوين ممن لا يملكون إقامة قانونية، وفق تقديرات صادرة عن مؤسسة “بروكينغز” البحثية.

ورغم أن هؤلاء الأطفال يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة، فإنهم يواجهون تهديدا بفقدان أحد الوالدين في أي لحظة.

وبينما تبرّر الإدارة الأميركية هذه السياسات باعتبارات أمنية وقانونية، يحذّر خبراء ومختصون اجتماعيون ومنظمات حقوقية من أن التكلفة الاجتماعية والإنسانية قد تكون فادحة، خاصة على الأطفال الذين قد يجدون أنفسهم في أنظمة رعاية اجتماعية لم تُصمّم لمواجهة هذا النوع من التشتت الأسري الواسع.

العيش بقلق

وتؤكد المختصة الاجتماعية بولاية تكساس، لونا رودريغيز، التي تعمل مع أسر مهاجرة من جنسيات مختلفة ووضعها القانوني معقد، أن هذه العائلات تعيش قلقا دائما. وتقول “نعمل مع أسر تعلّم أبناءها من عمر 7 سنوات، ما يجب أن يفعلوه إذا لم يجدوا والديهم في المنزل”.

وتضيف رودريغيز للجزيرة نت، أن هؤلاء الأطفال غالبا ما يحملون معهم الصدمة النفسية إلى المدرسة والحياة الاجتماعية حتى في غياب الترحيل الفعلي، فالخوف -في رأيها- كفيل لتقويض شعورهم بالاطمئنان.

ومن القصص التي تعكس الذّعر اليومي الذي تعيشه هذه الأسر بسبب تشديد سياسات الترحيل، قصة أحمد (اسم مستعار)، وهو أب عراقي لثلاثة أطفال، يعيش في ضواحي ولاية فرجينيا، وتلقى قبل أشهر إخطارا من دائرة الهجرة بإعادة تفعيل أمر ترحيل صدر بحقه قبل سنوات.

وأملا في تسوية وضعه القانوني، تزوج أحمد لاحقا من مقيمة دائمة، لكن وضعه الحالي لم يلبّ الشروط المعقدة التي تفرضها قوانين الهجرة، ورغم أن أطفاله الثلاثة ولدوا في أميركا ويحملون جنسيتها، فإن ذلك لا يمنع قانونيا ترحيل والدهم في أي لحظة.

وتقول زوجته للجزيرة نت، “أتوقّع كل يوم أن أعود من العمل ولا أجده في البيت، ونعيش توترا دائما، ولا نشارك بأنشطة المدرسة، ولا نذهب إلى الطبيب إلا للضرورة القصوى، وابنتي الصغرى تصاب بنوبة هلع إذا رأت أحدا بزيّ أمني في الشارع”.

رجال أمن ينفذون أوامر الرئيس ترامب باعتقال المهاجرين غير النظاميين وترحيلهم والمخاوف تزداد (رويترز)

إجراءات صارمة

وشرع ترامب مباشرة بعد إعادة توليه الرئاسة بتنفيذ سلسلة من الإجراءات التي وسّعت صلاحيات الترحيل وقلّصت الحماية القانونية للمهاجرين.

وألغت إدارته قواعد كانت تمنع توقيف المهاجرين في أماكن حسَّاسة مثل المدارس والمستشفيات ودور العبادة، ووسّعت ما يُعرف بالترحيل السريع ليشمل كل من دخل البلاد في العامين الأخيرين، حتى وإن لم يُضبطوا على الحدود.

كما زادت الحكومة من وسائل التنسيق مع الشرطة المحلية لتطبيق قوانين الهجرة، وأعادت توجيه مهام وكالات فدرالية كدائرة الضرائب وإدارة مكافحة المخدرات نحو دعم أولويات الهجرة.

وفي مارس/آذار الماضي، فعّل ترامب “قانون الأجانب الأعداء” لتسريع ترحيل مهاجرين دون ضمانات التقاضي.

مركز خدمات الجنسية والهجرة الأميركية في ضواحي العاصمة واشنطن (الجزيرة)

وأدت هذه السياسات إلى إيجاد مناخ من الخوف وعدم اليقين داخل مجتمعات المهاجرين، بل حتى من يملكون الجنسية الأميركية، ووفقا لدراسة حديثة أصدرها مركز “بيو” للأبحاث، فإن ما يقارب ربع البالغين الأميركيين، إما يشعرون بقلق شخصي من احتمال الترحيل أو يخشون ترحيل أحد أفراد أسرهم أو المقربين منهم.

ويعتقد بعضهم خطأً أن وجود أطفال يحملون الجنسية الأميركية يحصّن ذويهم من خطر الترحيل، غير أن القانون الأميركي لا يمنح هذا الامتياز تلقائيا، ولا يعدّ التشتت الأسري سببا قانونيا كافيا لوقف تنفيذ قرارات الإبعاد بحق أحد الوالدين.

وحسب التشريعات الفدرالية، لا يمكن وقف الترحيل إلا في حالات استثنائية تثبت فيها الأسرة، أن الأطفال الأميركيين سيواجهون “ضررا جسيما” بمغادرة أحد الوالدين، وهي معايير صارمة يصعب غالبا إثباتها لدى المحاكم، وتُرفض العديد من الطلبات لعدم استيفائها.

أما طلب لمّ الشمل، فلا يمكن للطفل الأميركي التقدّم به إلاّ بعد بلوغه 21 عاما، حتى لو كان الوالد يعيش معه منذ ولادته، وحتى حينها، لا يُقبل الطلب إن لم يكن الوالد قد دخل بطريقة قانونية، إلا في حالات نادرة تُمنح فيها إعفاءات مشروطة.

سلطة التعسُّف

ويرى المحامي المختص في قضايا الهجرة في فرجينيا، حيدر سميسم، أن إدارة ترامب تستعمل سلطتها التنفيذية “تعسّفيا” وبإجراءات متشددة كفرض صعوبات أكثر على تقديم طلبات اللجوء، وتعليمات بتسريع البت في القضايا وزيادة عدد المحاكمات في اليوم لترحيل أكبر عدد من المهاجرين.

ويؤكد سميسم للجزيرة نت، أن الأسر مختلطة الوضع القانوني تعيش “رعبا حقيقيا”، يجعل كثيرا منهم يفكرون جديا في مغادرة البلاد طوعا، رغم أن حياتهم قد تكون مهددة في بلدانهم الأصلية.

ويستشهد بقصة زوج قرّر التخلي عن ملف طلب اللجوء والعودة مع زوجته وأطفاله إلى أحد بلدان الشرق الأوسط رغم الأخطار المحدقة، لكنه “خاطر بحياته على أن يخاطر بحريته والابتعاد عن أسرته” حسب تعبيره.

وتحكي ليلى (اسم مستعار)، وهي مصرية تقيم في ولاية ماريلاند مع زوجها وطفلها حديث الولادة، كيف تعيش أسرتها “ظروفا اجتماعية واقتصادية مزرية” بسبب القيود المفروضة على طالبي اللجوء.

وتقول للجزيرة نت “دخلت أميركا بطريقة قانونية ولدي بطاقة إقامة دائمة، أما زوجي فقد دخل بتأشيرة مؤقتة، واضطرّ لاحقا لتقديم طلب اللجوء بعد تفاقم المخاطر الأمنية التي يواجهها في مصر بسبب آرائه السياسية”.

وتضيف “نخشى اعتقالنا إذا عدنا، لكن في المقابل لا يُسمح له بالعمل خلال فترة دراسة ملف اللجوء، التي قد تستغرق عاما أو أكثر، ونشعر وكأننا عالقون بين الحياة والموت”.

وتنص القوانين الأميركية على أن طالبي اللجوء لا يمكنهم الحصول على تصريح عمل إلا بعد مرور 180 يوما من تقديم الطلب، بشرط ألا يكون قد سُجّل عليهم أي تأخير في الإجراءات، ونتيجة لهذا الشرط، يجد كثيرون منهم أنهم عالقون في فراغ قانوني واجتماعي عدة أشهر دون أي مصدر دخل.

مهاجرون من عدة جنسيات يؤدون قسم الحصول على الجنسية الأميركية داخل مركز خدمات الهجرة الأميركية (الجزيرة)

تحديات

وترصد المختصة الاجتماعية لونا رودريغيز التأثير العاطفي طويل الأمد على الأطفال خاصة، وتقول “بعض الأطفال يُجبرون على تمثيل أنفسهم في جلسات الهجرة وهو أمر لا يصدق”.

وتلخص رودريغيز من تجربتها الميدانية إلى أبرز التحديات التي تعاني منها هذه الأسر على ثلاثة مستويات:

  • قانونيا: تأخيرات طويلة في معالجة الملفات، قد تمتد سنوات، وتزيد حملات الترحيل من الخوف والامتناع عن حضور مواعيد المحاكمة أو مقابلات الهجرة خوفا من الاعتقال الفوري.
  • نفسيا: يعيش أفراد هذه الأسر، خاصة الأطفال، آثارا نفسية عميقة تبدأ من لحظة الهجرة وتستمر بسبب الانفصال وصعوبة الاندماج.
  • عمليا: تعاني الأسر فقرا شديدا نتيجة حرمان أفرادها من الحق في العمل، إضافة إلى صعوبات الحصول على الرعاية الصحية والسكن والتعليم.
Exit mobile version