روكب اليوم
تشكّلت الهوية الفلسطينية فعليا في المنفى وليس على الأرض، في حين بقي الفلسطينيون جماعة وليس مجتمعا متماسكا، والمشروع الصهيوني نجح بقوة الاستعمار الإمبريالي وليس بقوة اليهود أنفسهم.
تمثل هذه الأفكار أبرز ما طرحه المفكر والباحث الفلسطيني صقر أبو فخر في تحليله لأسباب استمرار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وفشل المشاريع التحررية العربية عبر عقود طويلة.
وفي قراءة نقدية للتاريخ الفلسطيني المعاصر، أوضح أبو فخر كيف أن الهوية الفلسطينية نشأت من خلال الذاكرة والتخيل بعد النكبة، حيث أصبح المخيم “فلسطين مصغرة” والذاكرة هي الرابط الوحيد بالوطن المفقود.
وحسب تحليله، فإن النساء في المخيمات كن يبكين في الليالي ويتذكرن كيف كانوا يعيشون في القرى الفلسطينية، مما حول فلسطين إلى “فردوس مفقود” في المخيلة الجمعية.
وفي حلقة (2025/7/6) من برنامج “المقابلة” لفت أبو فخر إلى الفجوة بين فلسطين الحقيقية وفلسطين المتخيلة، موضحا كيف أن الفلسطينيين الذين عادوا لاحقا صُدموا بالواقع المختلف عما نسجته ذاكرتهم.
وأشار إلى تجارب كُتّاب مثل مريد البرغوثي وفاروق وادي ويحيى يخلف الذين وثقوا هذه الصدمة في أعمالهم الأدبية، عندما وجدوا أن الأشجار التي يتذكرونها قد قُطعت والمعالم تغيّرت.
ووفقًا لتشخيص أبو فخر، فإن النخبة الفلسطينية الحديثة التي ظهرت بعد انهيار الدولة العثمانية لم تتمكن من إنجاز “الاندماج الوطني والوحدة الوطنية”، حيث بقيت منقسمة وغارقة في الصراعات العائلية.
وأكد أن هذا الانقسام استمر حتى اليوم، موضحا أنه حتى أمام هذا الهول الإسرائيلي في غزة، ليس هناك وحدة وطنية، ولا يستطيع الفلسطينيون الاجتماع على شيء أبدا.
وفي مقارنة لافتة بين الفلسطينيين والصهاينة، أوضح أبو فخر كيف أن الحركة الصهيونية نجحت في بناء مؤسسات قوية ومقاتلين مدربين بدعم إمبريالي، في حين فشل الفلسطينيون في التنسيق حتى في الدفاع عن قراهم عام 1948.
وكيف كانت كل قرية فلسطينية تدافع عن نفسها بـ”عشر بنادق” دون تنسيق مع القرى المجاورة، في حين كان لدى الإسرائيليين 62 ألف مقاتل مدرب وقيادة واحدة.
طبيعة المجتمع
وحول طبيعة المجتمع الفلسطيني قبل النكبة، شرح أبو فخر أنه كان يتميّز عن مجتمعات بلاد الشام الأخرى بكون معظم ملاك الأراضي الكبار غير فلسطينيين ومقيمين خارج فلسطين، مما خلق نوعا من التضاد بين مالك الأرض والفلاح ومنع نشوء مجتمع متجانس.
وأضاف أن هذا التفكك الاجتماعي أدى إلى فشل في مواجهة المشروع الصهيوني المنظم والمدعوم إمبرياليا.
وبشأن الأنظمة الاستبدادية العربية، طرح أبو فخر نظرية مفادها أن “الاستبداد جاء من وراء التفكك الاجتماعي” وليس العكس، معتبرا أن الحكام اضطروا للتشدد لمنع تفسخ مجتمعاتهم المتنوعة طائفيا وإثنيا.
وفيما يتعلق بالمشروع الصهيوني، أكد أبو فخر أنه “مشروع إمبريالي إنجليزي” وليس مجرد مشروع يهودي، موضحا أن حتى بلفور “كان يكره اليهود” وأن الهدف كان حل المسألة اليهودية الأوروبية بإرسال اليهود إلى فلسطين.
وحول الوضع الحالي في غزة، رفض أبو فخر وصف ما يجري بـ”الانتصار”، مؤكدا أن “سبعين ألف شهيد” و”تحويل غزة لمقبرة” لا يمكن اعتباره انتصارا.
وعبّر عن تشاؤمه من إمكانية التحرير القريب، معتبرا أن المهمة صارت “لأولاد أولادنا”، في ظل غياب أي “مظلة” دولية تدعم المقاومة، كما كان الحال أيام الاتحاد السوفياتي والزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
واعتبر أبو فخر أن “معجزة الفلسطينيين الوحيدة” هي بقاؤهم في أرضهم رغم كل المآسي، معتبرا هذا الصمود “أكبر ما يقدمونه الآن” في مواجهة مشروع يهدف لمحوهم من التاريخ والجغرافيا.
7/7/2025–|آخر تحديث: 00:08 (توقيت مكة)