أبرز الملفات على طاولة الزعماء في قمة بغداد |



روكب اليوم

تشهد العاصمة بغداد اليوم انعقاد القمة العربية الرابعة والثلاثين، والتي تُعدّ ذروة الجهود التحضيرية التي بذلتها القيادة العراقية برئاسة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني. وتُنظر إلى هذه القمة على أنها فرصة استراتيجية للعراق لاستعادة موقعه الإقليمي في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن، بعد سنوات من التقييمات السلبية التي طالته من منظمات دولية حقوقية، ومن العديد من دول المنطقة والعالم.

أيضًا، لدى العراق رسائل إيجابية تجاه العمل العربي المشترك، خاصةً بعد تزايد الشعور الرسمي والشعبي العراقي بارتخاء قبضة التدخل الإيراني في العراق والإقليم، حيث سيسعى لتقديم نفسه كشريك اقتصادي مهم مع جمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية، ودول الخليج العربي، ولبنان، وأيضًا مع الحكومة السورية الممثلة برئيسها أحمد الشرع.

وسيحاول العراق العمل مع جامعة الدول العربية لجعل التمثيل الرسمي للحاضرين بأعلى مستوياته؛ لتكون نتائج القمة بأفضل حالاتها وليس كباقي القمم السابقة التي لم تقدم، فعليًا، حلولًا ناجعة لقضايا الأمة سواء الإيجابية منها أم السلبية؛ فمواضيع مثل التكامل الاقتصادي والسوق العربية المشتركة، وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ودرء العدوان أو المخاطر عن دول عربية عديدة تعاني الفقر والتدخل بشؤونها الداخلية والحرب الداخلية والعدوان الخارجي ومشاكل أخرى.

ملفات عديدة تبحثها القمة العربية في بغداد على رأسها قضية غزة التي بلغت مستويات أحرجت غالبية الدول العربية لتجاوز إسرائيل كل الخطوط الحمراء، وسعت لاستمرار حربها، ليس لأغراض تخليص “الرهائن”، كما تدّعي، بل لإدامة عمليات القتل بحق سكان غزة وبكل الوسائل العسكرية، أو من خلال الحرمان المتعمد من وسائل إدامة الحياة بمنع دخول المواد الغذائية والدوائية والمياه الصالحة للشرب.

وليس بعيدًا عن غزة بات موضوع الأمن القومي العربي، مسألة مهلهلة ومجرد عبارة لا وجود لها على أرض الواقع، فبعد الحرب على لبنان، وسلسلة الهجمات الإسرائيلية على سوريا، واحتلال أجزاء جديدة في هذا البلد العربي المحوري، وكذلك سلسلة الغارات الأميركية والإسرائيلية والبريطانية المدمّرة على اليمن وبناه التحتية، كل ذلك أفضى إلى فقدان الشعوب العربية الأمل في المستقبل، أو في قدرات بلادهم.

موضوع سوريا بحكمها الجديد يمثل أحد أركان القمة الرابعة والثلاثين، وهو أحد رهانات السوداني على نجاح القمة؛ حيث أكد أكثر من مرة على أن وجود الرئيس السوري أحمد الشرع على رأس الوفد السوري مهم جدًا معتبرًا “أمن سوريا جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي العراقي”.

وأيضًا لأهميته في توضيح رؤية سوريا الجديدة التي تحتاج إلى الدعم العربي؛ لتكريس الاستقرار والسلام الأمني والسياسي والاقتصادي، وإعادة الإعمار في سوريا وعدم تركها لتدخلات دولية ومنظمات إرهابية تربك الأمن القومي العربي برمته.

قضية أخرى يفترض أن يناقشها القادة العرب؛ تلك هي ما يجري في جمهورية السودان، ذاك البلد العربي الكبير بمواقفه وعطائه وتاريخه، حيث يعيش حالة خطيرة من الدمار بأدوات داخلية مدعومة من أطراف عديدة إقليمية ودولية.

إن الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أدّت إلى ” أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، بحسب تقارير الأمم المتحدة، حيث فّر أكثر من 12.5 مليون شخص من منازلهم، فيما يعاني حوالي نصف سكان السودان من نقص الأغذية والأدوية. ومما يزيد مخاطر الوضع في السودان تطلع (الدعم السريع) لتشكيل حكومة مستقلة سمتها “سلام ووحدة” في الأراضي التي تسيطر عليها.

تستهدف قمة بغداد إعادة حسابات المنظومة العربية بما ينسجم وحجم المتغيرات في العلاقات الدولية، وتغيرات موازين القوى في العالم وإسقاطاتها على الوطن العربي بجميع أقطاره، والذي شهد تراجعًا للدور الإيراني وتطورًا للدور التركي وللخطر الإسرائيلي، إذ يحتاج العرب إلى اتخاذ سياسات متوازنة تجاه كل التطورات وعدم الانخراط في إستراتيجيات فردية تضعف من قدرة العرب على إحداث فارق في هذه التوازنات بما تملكه الأمة من قدرات وثروات وموقع إستراتيجي وممرات بحرية حيوية.

يستهدف العراق أيضًا إعادة تقديم نفسه إلى المنظومة العربية بعد أن حول -إلى حد كبير- طبيعة علاقته مع النظام الإيراني من (تبعية) إلى علاقات ودية واقتصادية تستند إلى مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

لكن تصريحات عدد من قادة الكتل والفصائل العراقية الموالية لإيران الذين هددوا باغتيال الرئيس أحمد الشرع عند قدومه إلى بغداد، وأطلقوا شعارات طائفية تجاه آخرين، قد تربك هذا الهدف.

يرتبط هذا الرهان أيضًا بإزاحة الصورة المشوشة التي ينظر منها إلى العراق ضمن النظام العربي، بفعل كل السلبيات التي رافقت النظام السياسي الجديد في العراق منذ عام 2003 والذي جسد ممارسات طائفية وتصريحات مستفزة لزعامات وأنظمة عربية بذاتها.

ويستهدف السوداني من خلال كسب هذه الرهانات تحقيق هدفه الأساس في جذب الاستثمارات بجميع مجالات الطاقة والإعمار وإعادة العراق ليمارس دوره المحوري كدولة عربية مركزية في المشهد القومي العربي الأمني والاقتصادي مع الإبقاء على دوره كوسيط عربي في أي توترات مع الجانب الإيراني.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Enable Notifications OK No thanks