أوكرانيا تغير وجوه حكومتها.. حاجة داخلية أم دعوات خارجية؟ |


روكب اليوم

كييف- بعد أيام من الجدل والتكهنات، حسمت أوكرانيا أمرها، وأجرت تعديلا جديدا على شكل الحكومة، هو الثالث في عهد الرئيس الحالي للبلاد فولوديمير زيلينسكي.

وبموجب ذلك، باتت وزيرة الاقتصاد السابقة يوليا سفيريدينكو رئيسة للحكومة، خلفا لدينيس شميهال الذي شغل المنصب منذ مارس/آذار 2020.

وبناء على مقترح الرئيس زيلينسكي، عُين شميهال في منصب وزير الدفاع، خلفا لسابقه رستم أوميروف المرشح لمنصب أمين مجلس الأمن القومي والدفاع أو نائبه. واحتفظ وزير الخارجية الحالي أندري سيبيها بحقيبته الوزارية.

تبديل واختزال

وبرزت سفيريدينكو خلال الأسابيع الماضية كعرابة لاتفاقية المعادن النادرة، التي تم التوصل إليها مع الولايات المتحدة، وبسبب مواقفها المتشددة آنذاك، ألغي التوقيع على الاتفاقية عدة مرات.

وهي ثاني امرأة أوكرانية تشغل منصب رئاسة الوزراء بعد يوليا تيموشينكو (2007–2010). وتضم القائمة -التي رشحتها وصوّت عليها البرلمان دفعة واحدة- 13 وزيرا (عدا الخارجية والدفاع).

وبهذا تكون أوكرانيا قد ألغت واختزلت 4 وزارات هي وزارتا حماية البيئة والشؤون الزراعية -التي ضمت إلى وزارة الاقتصاد- ووزارة الوحدة الوطنية التي ضمت إلى وزارة الشؤون الاجتماعية. كما ألغي منصب وزير مجلس الوزراء، ونقلت مهامه إلى الأمانة العامة.

وحكومة سفيريدينكو تضم 3 نواب لرئيس الوزراء، هم أيضا وزراء “التحول الرقمي” و”البنية التحتية وتنمية الأقاليم” وكذلك “التكامل الأوروبي واليورو أطلسي”.

ومن أصل 15 وزيرا، تم تعيين وزيرين جديدين، بينما حافظ 7 وزراء على مناصبهم السابقة، وتبادل 6 وزراء آخرون الحقائب، أو حصلوا على مناصب ومهام إضافية في المجلس.

التغيير الحكومي بأوكرانيا يبدو استجابة لضغوط أميركية حسب محللين (أسوشيتد برس)

حاجة أم استجابة؟

التعديل الحكومي الجديد فتح سريعا باب التساؤل عما إذا كان ينبع من حاجة داخلية، أو أنه جاء استجابة لضغوط أو إرادة خارجية، لا سيما من الولايات المتحدة.

وقد ربط الرئيس زيلينسكي هذه التعديلات بالحاجة إلى “تحول إداري ملموس يقلل النفقات، ويوجه أقصى قدر من الموارد المتاحة لشؤون الدفاع” وكذلك الحاجة إلى “ديناميكيات أكثر إيجابية في العلاقات مع الولايات المتحدة”.

وتعليقا على هذا التعديل الجديد، قال أوليكسي هاران أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الوطنية بكييف، للجزيرة نت “فكرة التعديلات كانت موجودة ومطلوبة داخليا، لكنها أثيرت مؤخرا برغبة أميركية، ولهذا رأينا أن الخوض فيها بدأ مباشرة بعد الاتصال الذي جمع زيلينسكي بالرئيس دونالد ترامب في 4 يوليو(تموز) الجاري”.

وتابع موضّحا “قبل الاتصال، كانت بعض وسائل الإعلام تتحدث عن خلافات بين زيلينسكي وشميهال، لكن كليهما لم يعلق على الأمر أو يعطيه اهتماما. وبعد الاتصال، بدأ الحديث عن إقالة السفيرة الأوكرانية لدى واشنطن أوكسانا ماركروفا، ويبدو أن كييف وجدت في ذلك سببا لتعديلات أوسع كانت تنوي القيام بها”.

ماركاروفا إحدى المسؤولين الذين تم تبديلهم ويعزى ذلك لقربها من الديمقراطيين وإدارة بايدن السابقة (رويترز)

السفيرة في واشنطن

وبالفعل، شملت التعديلات إقالة دبلوماسية واحدة فقط هي ماركاروفا، وتعيين أولغا ستيفانشينا نائبة رئيس الوزراء السابقة المكلفة بشؤون التكامل الأوروبي واليورو أطلسي “مفوضة خاصة من رئيس أوكرانيا لشؤون تطوير التعاون مع الولايات المتحدة”.

ويرى هاران أن هذا التعيين يهدف إلى تبيان موقف وردود فعل مسؤولي الإدارة الأميركية إزاء ستيفانشينا قبل تعيينها رسميا سفيرة. ويبدو أن زيلينكسي يراها الأنسب لهذه المهمة، لا سيما وأنها حققت نجاحات كبيرة على طريق تطوير العلاقات مع الدول الأوروبية والأطلسية في منصبها السابق”.

ومن وجهة نظره فإن “السفيرة السابقة ماركا روفا كانت ناجحة ومخلصة، ولكن يبدو أن الإدارة الأميركية الحالية تريد تغييرها، لأنها تمتعت بعلاقات واسعة مع إدارة بايدن، وكثير من الديمقراطيين تعاطفوا معها شخصيا بعد مشادة البيت الأبيض بين ترامب وزيلينسكي قبل شهور”.

حكومة متجانسة

لكن آخرين لا يرون في الأمر “ضغوطا” بمعنى الضغوط التي تصل حد اضطرار كييف للاستجابة والقبول، وإنما حاجة إلى وجود حكومة متجانسة وعلاقات أفضل، تستطيع مواكبة المرحلة ومواجهة التحديات.

وتدلل أوليسا ياخنو أستاذة العلوم السياسية بجامعة “شيفتشينكو” بالعاصمة كييف على ذلك، وتقول للجزيرة نت “ربما أراد الأميركيون تغيير السفيرة. لكن هذا لا يهم، ويبقى في إطار التوقعات. الأولوية الآن لواشنطن ربما، ولكني أعتقد أننا سنشهد إقالات وتعيين سفراء جدد في عواصم أخرى قريبا”.

وتضيف في السياق ذاته “المهم هو أن حكومة سفيريدينكو تضم قائمة متناغمة ومتجانسة فيما بينها، عملت مع بعضها، وقادرة على الاستمرار. وقد تشكلت الحكومة بعملية نقل أشبه بلعبة شطرنج، وهذا يفسر تصويت البرلمان على الطاقم الحكومي دفعة واحدة، بدلا من مناقشة ترشيح كل وزير والتصويت عليه بشكل مستقل، ووجود نائبين سابقين لسفيريدينكو كوزراء جدد في المجلس الجديد”.

ما المأمول؟

دون شك، أمام حكومة سفيريدينكو تحديات كبيرة في كل مجال تقريبا مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا في عامها الرابع، ومن وجهة نظر البعض هي “مناسبة لهذه المهمة”.

ولعل من أبرز التحديات والمهام التي حددها زيلينسكي (إضافة إلى خفض الإنفاق والدفاع) بدء مرحلة جديدة من التعاون مع الولايات المتحدة، وزيادة حصة الإنتاج المحلي من الأسلحة المستخدمة على جبهات القتال، من 40 إلى 50% خلال 6 شهور.

ويرى الخبير هاران أن “الحكومة الحالية قد تكون الأكثر كفاءة من سابقاتها. خبرة سفيريدينكو وثقة زيلينسكي كانتا عاملين حاسمين في اختيارها، ونقل سلفها شميهال إلى وزارة الدفاع. إن أكثر ما تحتاجه أوكرانيا اليوم اقتصاد صامد وفساد أقل يزيد ثقة الدول الداعمة. وأعتقد أن كليهما اجتهد ونجح في ذلك بنسب كبيرة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Enable Notifications OK No thanks