إسرائيل تفتح “دفتر الحرب”.. وحزب الله بين الصمت والمساءلة


روكب اليوم
2025-10-24 06:28:00

1 1829298

الغارات التي تجاوزت العشرين، بحسب الإعلام الإسرائيلي، استهدفت مواقع تدريب وإنتاج صواريخ دقيقة، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي اغتيال القيادي في “قوة الرضوان” عيسى أحمد كربلاء، في بلدة عين قانا، متحدثًا عن “إزالة تهديدات ناشئة من الأراضي اللبنانية”.

الضربات تزامنت مع موقف حاد من رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام الذي رفع السقف السياسي بقوله إن “لا دولة بجيشين”، في إشارة واضحة إلى سلاح حزب الله، مؤكدًا ضرورة احترام وقف إطلاق النار ونزع السلاح من خارج مؤسسات الدولة.

في المقابل، بدا الموقف الدولي صامتًا، أقرب إلى التواطؤ، مع ما وصفه مراقبون بأنه “مباركة ضمنية” لإسرائيل لتقويض القدرات العسكرية للحزب طالما أن الدولة اللبنانية لا تمارس سيادتها الكاملة.

ميزان القوة يميل

في قراءة الباحث والكاتب علي سبيتي خلال حديثه لـ“التاسعة” على سكاي نيوز عربية، فإن المشهد الراهن يعكس خللاً واضحا في ميزان القوة بين حزب الله وإسرائيل.

يرى سبيتي أن الغارات الأخيرة “احتمل تقنيات جديدة ومعايير مختلفة عمّا سبق”، مبيّنًا أن إسرائيل نجحت في تحقيق “أهداف كبيرة وجسيمة في جسم الحزب”، ما يشير إلى تراجع في قدرات الردع التي طالما تباهى بها الحزب داخليًا.

يضيف سبيتي أن حزب الله، رغم تلقيه ضربات مؤلمة، لا يعترف بالخسارة ضمن قاموسه السياسي أو العقائدي، فـ“في فكر المقاومة لا توجد كلمة هزيمة”، كما يقول، موضحا أن التنظيمات ذات الاتجاه الإسلامي تتعامل مع الصراع بمنطق النصر والشهادة والتقدم، لا التراجع أو الانكسار.

هذه الذهنية، بحسب سبيتي، تفسّر استمرار الحزب في تصوير الصدام مع إسرائيل كمعركة “فتح مبين”، رغم حجم الخسائر الميدانية المعلنة.

بين العجز والسيادة المفقودة

ينتقد سبيتي ما يصفه بـ“عجز السلطة اللبنانية” أمام حزب الله، موضحًا أن ميزان القوى الداخلي لا يسمح للحكومة بفرض قراراتها على الحزب الذي يملك “إمكانيات سياسية وعسكرية وشعبية تفوق سلطة الدولة”.

ويضيف: “لا يمكن أن يُطلب من طرف مقتدر أن يسلّم مكتسباته لمن هو عاجز عن حماية موقعه”، مشيرًا إلى أن هذا المنطق راسخ في الثقافة السياسية اللبنانية، تماما كما تمسكت المارونية السياسية بصلاحياتها في حقبات سابقة إلى أن فرضت الضغوط الدولية اتفاق الطائف.

هذا الواقع، في رأيه، يعيد إنتاج الإشكالية البنيوية للنظام الطائفي الذي يقف عند كل أزمة عاجزًا عن الحسم، فتتحول الخلافات إلى حروب داخلية.

ويقول سبيتي إن “النظام الطائفي أنتج طبقة سياسية واحدة تمسك بالسلطة منذ أكثر من 40 عاما، ولا مجال لتجديدها”، مضيفًا أن “أي اتفاق لا يقوم على الدولة الوطنية سيبقي لبنان رهينة الميليشيات والتوازنات المذهبية”.

أزمة نظام أم أزمة سلاح؟

من منظور سبيتي، لبنان لا يعيش فقط مواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل، بل أزمة أعمق تتعلق بطبيعة نظامه السياسي وفشل الطبقة الحاكمة في إدارة الدولة.

فالطائفية، كما يراها، “أثبتت فشلها لأنها تؤدي دائمًا إلى الحروب وتضع اللبنانيين أمام الحائط المسدود”. ويضيف أن استمرار وجود ثلاثة رؤساء يمثلون الطوائف الكبرى يجعل القرار الوطني مشروطًا بالتوافق، “فإذا اتفقوا سار لبنان، وإذا اختلفوا توقف”، وهي معادلة يرى فيها أحد أخطر مظاهر العجز المؤسسي.

في المقابل، يتعامل حزب الله، وفقًا لسبيتي، من موقع القوة لا الشراكة. الحزب يعلن التزامه بقرار مجلس الأمن 1701 فقط “خارج شمال نهر الليطاني”، لكنه يرفض أي التزام آخر قد يُقيد تحركاته أو سلاحه. وهنا يكمن جوهر الأزمة: سلطة لا تملك أن تفرض، وحزب لا يعترف بمرجعية الدولة.

الحرب المقبلة.. ضد من؟

القراءات المتباينة في بيروت تتأرجح بين احتمال تصعيد إسرائيلي يستهدف بنية حزب الله العسكرية، أو توسيع “بنك الأهداف” ليشمل مؤسسات الدولة نفسها، في حال رأت تل أبيب أن لبنان متواطئ أو عاجز عن كبح الحزب.

هذا السيناريو، كما يحذر سبيتي، يضع البلاد أمام اختبار سيادة حقيقي، “فلا يمكن لدولة أن تواجه حربًا وهي منقسمة على ذاتها، ولا لجيش أن يحمي أرضًا بلا قرار سياسي موحّد”.

ويرى سبيتي أن لبنان أمام لحظة مفصلية قد تفرض “إعادة النظر في اتفاق الطائف” والانتقال نحو صيغة جديدة تعيد بناء الدولة على أساس وطني لا طائفي.

لكنه يقرّ بأن تحقيق ذلك يتطلب “تغييرًا في موازين القوى”، وهو أمر غير متاح في الوقت الراهن طالما أن السلاح خارج الدولة ما زال يلعب دور الضامن والحاكم معًا.

بين الوهم والواقع

في المشهد الحالي، يقف حزب الله بين خطاب “المقاومة المنتصرة” وواقع سياسي مأزوم يُظهر لبنان كدولة فاقدة القرار. أما إسرائيل، فتبدو عازمة على استثمار لحظة الضعف الداخلي اللبناني لتوجيه ضربات استباقية تحيّد قدرات الحزب وتمنع أي توازن ردع جديد.

ومع غياب المبادرات الدولية الجادة، تتراجع آمال التهدئة أمام ضجيج الطائرات الإسرائيلية فوق سماء البقاع والجنوب، فيما يظلّ اللبنانيون بين نارين: دولة لا تحكم، ومقاومة لا تتراجع.

هكذا يظلّ السؤال الأكبر، كما يصفه علي سبيتي، ليس “هل ستقع الحرب؟” بل “على من ستقع أولاً؟” — على حزب الله، أم على لبنان كله.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Enable Notifications OK No thanks