Site icon روكب اليوم

إعادة الإعمار في مهب السياسة


روكب اليوم
2025-10-02 04:20:00

خاص

دمار كبير في قطاع غزة جرّاء العملية العسكرية الإسرائيلية

مع اقتراب نهاية الحرب المدمرة في قطاع غزة، يطرح المجتمع الدولي أسئلة جوهرية حول مستقبل الإعمار والآليات التي ستحدد مصير مليوني فلسطيني شُردوا من منازلهم، وخسروا بنيتهم التحتية ومصادر عيشهم.

الرئيس الأميركي أعلن خطة سلام من 20 بنداً، غير أن أبرز التحديات تكمن في غياب التفاصيل والجدول الزمني، وهو ما أثاره رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، د. محمد اشتية، في حديثه لبرنامج “بزنس مع لبنى” على قناة سكاي نيوز عربية، مشدداً على أن الأولوية القصوى هي وقف القتل والدمار، وضمان دور فلسطيني فاعل في أي تسوية أو خطة إعادة إعمار.

خسائر غزة بالأرقام: فاتورة غير مسبوقة

البيانات الأولية الصادرة عن المؤسسات الفلسطينية والدولية تكشف حجم الكارثة:

  • 68 مليار دولار: تقديرات الخسائر الاقتصادية المباشرة للحرب حتى الآن.
  • 400 ألف وحدة سكنية: تعرضت لتدمير كلي أو جزئي.
  • 38 مستشفى و494 مؤسسة تعليمية: خرجت عن الخدمة.
  • 2.8 مليون متر من الطرق: تم تدميرها، ما شل الحركة التجارية والمدنية.
  • 94% من الأراضي الزراعية: لم تعد صالحة للاستغلال.
  • 288 ألف أسرة فقدت منازلها، فيما تجاوز عدد النازحين مليوني شخص.

هذه الأرقام تجعل غزة من أكثر مناطق العالم دماراً مقارنة بمساحتها وعدد سكانها. وبحسب تقديرات اشتية، فإن عملية الإعمار ستتطلب 80 مليار دولار، منها 20 مليار دولار عاجلة خلال السنوات الثلاث الأولى لإعادة الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ومساكن مؤقتة.
خطة السلام في غزة .. فرصة لبناء ما خلفته الحرب من دمار

خطة ترامب: إعلان مبادئ أم بداية تفاوض طويل؟

يصف رئيس الوزراء الفلسطيني السابق د. محمد اشتية الخطة الأميركية المطروحة لإعادة الإعمار في قطاع غزة بأنها إعلان مبادئ أكثر منها برنامجاً عملياً. في حديثه إلى برنامج بزنس مع لبنى على سكاي نيوز عربية، أشار اشتية إلى أن الخطة تفتقر إلى جداول زمنية واضحة، وتترك معظم التفاصيل الأساسية بيد إسرائيل، ما يثير المخاوف من أن تتحول البنود المؤقتة إلى ترتيبات دائمة، وهو ما يهدد مستقبل مليوني فلسطيني شُردوا بعد الحرب.

وأكد اشتية أن هناك ثلاثة ملفات أساسية تحتاج إلى إجابات عاجلة:

  1. متى ستنسحب إسرائيل من غزة؟
  2. ما هو الشكل النهائي لقطاع غزة وحدوده بعد الحرب؟
  3. من سيمول إعادة الإعمار، وكيف سيتم ضمان وصول الأموال؟

اشتية: مجلس السلام وصفة فاشلة… وحماس يجب أن تغادر المشهدوأشار اشتية إلى أن الخطة الأميركية تغفل الانتهاكات المستمرة في الضفة الغربية، حيث يزداد النشاط الاستيطاني بشكل مستمر، ويتم تجفيف موارد السلطة الوطنية الفلسطينية، ما يترك فجوة كبيرة في معالجة الملف الفلسطيني بشكل متوازن.

وأضاف اشتية: لا يوجد شيء مؤقت في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وإذا تُرك التنفيذ لإسرائيل وحدها، فالمؤقت سيصبح دائماً.” وهو تحذير صريح من أن غياب الدور الفلسطيني الرسمي في أي خطة لإعادة الإعمار قد يؤدي إلى تحويل الإجراءات المؤقتة إلى واقع دائم يفرض قيوداً على الشعب الفلسطيني.

أولوية إنسانية عاجلة: وقف الدم وإعادة الحياة لغزة

أكد رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، د. محمد اشتية، خلال حديثه لبرنامج بزنس مع لبنى” على سكاي نيوز عربية، أن الأولويات الحقيقية للفلسطينيين في هذه المرحلة ليست النقاشات السياسية فقط، بل الحاجة إلى تدخل عاجل لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية.

وأوضح اشتية أن أول هذه الأولويات يتمثل في وقف شلال الدم وإنهاء المجازر بحق المدنيين، إضافة إلى إدخال المواد الغذائية عبر المعابر بشكل منتظم، حيث تنتظر آلاف الشاحنات دخول القطاع، فيما تعاني المستشفيات نقصاً حاداً في الوقود والأدوية، ويواجه نحو 200 ألف جريح خطر فقدان حياتهم.

وأشار إلى أن إعادة شبكات المياه والكهرباء تعد شرطاً أساسياً لإعادة الحد الأدنى من الحياة إلى غزة، مؤكداً أن الكوادر الفلسطينية على الأرض جاهزة للتدخل الفوري. فالسلطة الوطنية تمتلك 19 ألف عنصر أمني وأكثر من 18 ألف موظف مدني قادرين على إدارة المؤسسات فوراً إذا ما توفرت الإرادة السياسية والدعم الدولي.

التحدي المالي: من يدفع فاتورة 80 مليار دولار؟

وحول التمويل المتوقع لإعادة إعمار غزة، أشار اشتية إلى أن التجربة السابقة مليئة بالعقبات. فالتعهدات الدولية، رغم ضخامة أرقامها في المؤتمرات، لا تتحول دائماً إلى أموال فعلية، وغالباً ما تصل بعد تأخير كبير.

كمثال، بعد حرب 2014 على غزة، تجاوزت التعهدات الدولية 5 مليارات دولار، لكن ما صُرف فعلياً كان أقل من نصف هذا الرقم. ولفت اشتية إلى أن المنافسة على التمويل بين ملفات ساخنة أخرى مثل سوريا ولبنان واليمن والسودان قد تُضعف حصة غزة من الدعم الدولي.

رغم ذلك، شدد على أن غزة يجب أن تحظى بالأولوية، لما تمثله من رمزية سياسية وإنسانية، ومركزية في ملف السلام الإقليمي، داعياً المجتمع الدولي إلى تحويل التعهدات إلى أموال فعلية بسرعة، لتجنب تكرار مأساة التأخير والشلل المؤسسي التي شهدتها التجارب السابقة.

من الاعتراف الدولي إلى تجسيد الدولة

أشاد رئيس الوزراء الفلسطيني السابق د. محمد اشتية بالموقف السعودي والحراك العربي الموحد لدعم القضية الفلسطينية، مؤكداً أن هذا التحرك جاء في وقت حساس عندما أصبح الحديث عن “إسرائيل الكبرى” يهدد العرب جميعاً. واعتبر اشتية أن الدم الفلسطيني كان عزيزاً على الأمة العربية، وأن الحكمة الفلسطينية والتضحيات المستمرة للشعب الفلسطيني أدت إلى نتائج ملموسة على الصعيد الدولي، بما في ذلك الضغط على دول مثل بريطانيا وفرنسا المرتبطة بوعد بلفور واتفاقيات سايكس–بيكو.

وأكد اشتية أن الاعتراف الدولي بفلسطين يجب أن يكون انعكاساً لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وليس وسيلة لمعاقبة إسرائيل. ولفت إلى أن الاعترافات الدولية قد مرت بعدة مراحل: حوالي 100 دولة اعترفت بفلسطين عام 1988، ثم ارتفع العدد إلى 149 دولة بعد خطاب الرئيس أبو مازن في 2012، واليوم وصل العدد إلى 159 دولة، مع أهمية الاعتراف من قبل الدول الوازنة والمؤثرة.

وأشاد بالمواقف العربية الداعمة، لاسيما من المملكة العربية السعودية التي قادت الحراك، والإمارات، ومصر، والأردن، مؤكداً أن هذه الجهود تعكس التزام الأمة العربية بموقف سياسي موحد لدعم فلسطين.

وشدد على أن المرحلة المقبلة تتطلب الانتقال من الاعترافات الرسمية إلى خطوات عملية على الأرض، من خلال تجسيد الدولة الفلسطينية والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967. وأوضح أن معاقبة إسرائيل يمكن أن تتم عبر مقاطعة البضائع والمستوطنات والتجارة والتمويل، وليس من خلال الربط بين الاعتراف بفلسطين وعقوبة لإسرائيل، إذ أن الاعتراف بفلسطين هو حق للشعب الفلسطيني ويجب أن يعكس التضحيات والجهود المبذولة.

في المجمل، شدد د. اشتية على أهمية توحيد المواقف العربية والدولية لدعم فلسطين، مع التركيز على التحرك العملي لتثبيت الدولة الفلسطينية على الأرض وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

وحدة فلسطينية حاسمة لإدارة غزة بعد الحرب

شدّد رئيس الوزراء الفلسطيني السابق د. محمد اشتية على أن القيادة الفلسطينية هي الجهة الوحيدة المخوّلة لإدارة قطاع غزة، محذراً من أي محاولات لتشكيل مجالس بديلة أو كيانات مستقلة، واصفاً ذلك بأنه “وصفة مكتوبة للفشل”.
وأشار اشتية إلى أن إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني أصبح أكثر إلحاحاً بعد الحرب، معتبراً أن حركة حماس يجب أن تتنحى عن قيادة أي مفاوضات مستقبلية تتعلق بملف الرهائن، لصالح مشهد وطني موحد يضمن تنفيذ أي اتفاق سياسي أو اقتصادي بشكل فعال.

وفق اشتية، إن الوحدة الوطنية ليست مجرد شعار، بل شرط أساسي لإنجاح أي مشروع إعادة إعمار ولتأمين التمويل الدولي. وأوضح أن أي تشتت في السلطة أو تناقضات بين الفصائل سيؤدي حتماً إلى تعطيل تنفيذ المشاريع الاقتصادية والخدمية الضرورية لسكان القطاع، الذين فقد معظم بنيتهم التحتية ومصادر رزقهم خلال الحرب الأخيرة.
خطة السلام في غزة.. وصفة مكتوب لها الفشل

تجربة الإعمار: دروس الماضي وضرورات المستقبل

استند اشتية إلى خبرته الطويلة كرئيس للمجلس الفلسطيني للتنمية والإعمار، مؤكداً أن إعادة إعمار غزة تحتاج إلى استراتيجية متكاملة تتضمن:

  1. خطة شاملة متفق عليها فلسطينياً وعربياً، تحدد أولويات إعادة البنية التحتية والإسكان والخدمات الأساسية.
  2. مؤتمر دولي للمانحين يهدف إلى حشد التمويل، على غرار مؤتمرات القاهرة السابقة التي وفّرت دعماً مالياً حيوياً للقطاع.
  3. آليات شفافة للصرف والمتابعة لضمان وصول الأموال مباشرةً إلى المشاريع المستهدفة دون تسرب أو فساد.
  4. دور محوري للسلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها الجهة الشرعية الوحيدة القادرة على إدارة العملية بشكل كامل وفعّال.

وحذر اشتية من محاولات إسرائيل لإبطاء عملية الإعمار أو تسييسها، مستشهداً بالتحكم الإسرائيلي في فتح المعابر ودخول مواد الاساسية كأداة ضغط محتملة. وأكد ضرورة وضع ضمانات دولية ملزمة تحول دون استخدام ملف الإعمار كوسيلة ابتزاز، مؤكداً أن نجاح هذه العملية يعتمد على إشراف فلسطيني كامل ومرجعية واضحة للقوانين والرقابة المالية

فتحت الحرب على غزة جروحاً اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، لكن مرحلة ما بعد الحرب قد تحدد مستقبل القضية الفلسطينية لعقود. المعضلة ليست فقط في توفير 80 مليار دولار لإعادة الإعمار، بل في ضمان آليات سياسية واقتصادية تُمكّن الفلسطينيين من بناء مؤسساتهم ومنع إسرائيل من تحويل المساعدات إلى أداة ابتزاز.

كما قال اشتية، الأولوية القصوى اليوم هي وقف نزيف الدم، وإدخال الغذاء والدواء، وتشغيل المستشفيات. بعدها يبدأ التحدي الأكبر: تحويل وعود الإعمار إلى واقع، وتجسيد حلم الدولة الفلسطينية على الأرض.

Exit mobile version