
وقبل الـ13 من يونيو الماضي – تاريخ بدء العمليات الإسرائيلية ضد إيران – كان لافتًا تصويت شاركت فيه الدول الأفريقية على قرار للوكالة الدولية للطاقة الذرية يدين إيران بسبب عدم تطبيقها لالتزاماتها النووية، ومن خلال ذلك التصويت اكتشفت إيران نفسها في أفريقيا، إذ صوت ضد الإدانة عدد من الدول الأفريقية من بينها بوركينا فاسو، فيما امتنعت دول أخرى عن التصويت أصلًا مثل مصر وجنوب أفريقيا.
ومنذ أشهر تجري محادثات بين دول أفريقية مثل بوركينا فاسو تسعى إلى تطوير برامج نووية تقول إنها “سلمية”، وإيران، فيما تحدثت تقارير عن توجه من طهران للحصول على أطنان من يورانيوم النيجر.
منذ أعوام سعت إيران إلى أن تصبح قوة فاعلة في القارة السمراء مستفيدة من عديد من العوامل، أهمها تطوير صناعتها العسكرية التي تشمل معدات وصواريخ، وأيضًا طائرات مسيرة.
وبعد جولة قام بها الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي في أوغندا وزيمبابوي وكينيا أعلن نائبه روح الله دهقاني عن إنشاء طهران مراكز في أفريقيا لتقديم خدمات مرتبطة بالطائرات المسيرة.
الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية وليد عتلم عدَّ أن “ما شهدته منطقة الشرق الأوسط من تصعيد عسكري غير مسبوق بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى لم يعد يقتصر في تداعياته على الجغرافيا المباشرة للصراع، بل إن أصداء هذه الحرب باتت تلامس الأطراف الرخوة من النظام الدولي، وفي مقدمها القارة الأفريقية، التي تقف الآن أمام منعطف استراتيجي بالغ التعقيد، بين تحالفاتها القديمة، واستحقاقات التغير الجيوسياسي الذي تعيد الحرب رسم ملامحه”.
تابع عتلم، “في ضوء الضربات المركزة التي استهدفت منشآت نووية إيرانية شديدة التحصين في فوردو وأصفهان ونطنز، واعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتوجيه تلك الضربات بهدف تقويض قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، تعيش طهران لحظة استراتيجية حرجة، إذ تجد نفسها أمام ضرورة إعادة التموضع خارج حدودها التقليدية، بحثاً عن مساحات تمدد جديدة وشبكات دعم بديلة، وهو ما يفسر ازدياد وتيرة انتظامها في القارة الأفريقية، وتحديداً في دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو”.
ويرى أن أفريقيا ليست فقط “ساحة فراغ استراتيجية تستدعي الملء في لحظات الضعف الإيراني، بل تمثل لطهران هامش مناورة جيوسياسياً” تسعى من خلاله إلى تعويض بعض خسائرها المتوقعة، سواء على المستوى الاقتصادي نتيجة العقوبات وتعطل الصادرات، أو على المستوى العسكري نتيجة استنزاف أصولها ومنشآتها الدفاعية، أو حتى على المستوى الرمزي، باستعادة صورة “القوة الصاعدة التي لا تحاصر”.
وبحسب عتلم فإن “إيران تراهن على أفريقيا لأسباب مركبة، من بينها ضعف الردع الدولي داخل القارة، وسهولة بناء التحالفات من خارج الأطر الرسمية، ووفرة الموارد التي تحتاج إليها طهران، وعلى رأسها اليورانيوم الموجود في النيجر وزيمبابوي وغيرهما. ووفقاً لمصادر متعددة، فإن إيران دخلت في مفاوضات غير معلنة مع السلطات العسكرية في النيجر، منذ افتتاح نيامي سفارتها لدى طهران مطلع عام 2024، بهدف تأمين واردات مستمرة من اليورانيوم، في إطار صفقات تبادلية تشمل الطائرات المسيرة والخبرات الأمنية والدعم السياسي في مواجهة العقوبات الغربية”.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023 تواجه إيران تحديًا غير مسبوق لنفوذها في الشرق الأوسط، كما خارج المنطقة، حيث تعرض حلفاؤها ووكلاؤها إلى ضربات موجعة على غرار “حزب الله” اللبناني والحوثيين في اليمن.
وأوضحت إيران أنها في حاجة إلى بدائل للخروج من الوضع الراهن وتنويع شراكاتها، خصوصًا في ظل الجدل الذي تشهده إثر امتناع روسيا والصين عن تقديم دعم ملموس لها.
وقالت الباحثة السياسية الإيرانية أمينة سليماني، “في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية، أصبحت قارة أفريقيا واحدًا من المحاور المستقبلية المهمة في الاقتصاد والثقافة والسياسة الدولية، ولقد اتخذت طهران مسارًا مختلفًا قائمًا على الاحترام المتبادل والروابط الحضارية، ونظرة إلى مستقبل مشترك ضمن النظام العالمي الجديد”.
واستطردت سليماني في تصريح خاص بالقول إن “الأدلة تشير بوضوح إلى أن إيران اتخذت قرارًا استراتيجيًا جادًا لتوسيع علاقاتها مع أفريقيا، ليس كعبارة سياسية فحسب، بل من خلال خطط منظمة وإنشاء مؤسسات وحوارات رفيعة المستوى تجسد هذا التوجه، وهذا أمر يكرسه على سبيل المثال حضور كبار المسؤولين في الحكومة الإيرانية، من نائب الرئيس إلى وزير الخارجية ووزير الصناعة ورؤساء غرف التجارة، في المؤتمر الثالث للتعاون بين إيران وأفريقيا، في خطوة تحمل رسالة واضحة: إيران تعدُّ أفريقيا شريكًا استراتيجيًا في العصر الجديد. وقد أكد نائب الرئيس الإيراني محمد رضا عارف أن رهاب إيران ورهاب أفريقيا هما تحديان رئيسان تروج لهما القوى الغربية لمنع التكتل الجنوبي العالمي”.
وأبرزت أن “إيران لا تملك فقط الإرادة، بل والقدرة على تحقيق هذه الشراكة الاستراتيجية. فمن الناحية الاقتصادية، تمتلك إيران خبرات وتقنيات متقدمة في مجالات النفط والغاز والبتروكيماويات والصناعات المعدنية والزراعة المعتمدة على المعرفة والطاقة المتجددة. وقد أكد المسؤولون الإيرانيون أن إيران ليست مجرد بائعة للمنتجات، بل شريك استراتيجي لدفع التنمية الصناعية والزراعية في أفريقيا”، لافتة إلى أن “من الإجراءات الملموسة في هذا الصدد، تأسيس أمانة التعاون الأفريقي وإطلاق خطوط شحن جوي وبحري وتسهيلات مالية خاصة بآليات المقايضة وإرسال مستشارين اقتصاديين وتخصيص مليارات اليوروهات لدعم المشاريع المشتركة”.
ورأت سليماني أنه “على الصعيد الأمني والسياسي تمتلك إيران مكانة مهمة لدى بعض الدول الأفريقية، حيث تم تعزيز العلاقات الدبلوماسية ودعم المؤسسات متعددة الأطراف مثل الاتحاد الأفريقي، إضافة إلى حضور ثقافي وعلمي فعال في بعض البلدان الأفريقية”. وذكرت أن “سياسة إيران تجاه أفريقيا تجاوزت مرحلة البيانات الودية إلى مرحلة التخطيط والتنفيذ الفعلي.
وعلى رغم أن أفريقيا، وخصوصًا غربها، باتت منطقة “طاردة” للنفوذ الغربي، فإن باحثين يحذرون من أن طريق إيران لن تكون مفروشة بالورد هناك.
ويحذر الباحث السياسي والمؤرخ الفرنسي رولان لامباردي من أنه “سيكون من الصعب جدًا على الإيرانيين توقيع عقود أو شراكات حتى سرية مع الدول الأفريقية لأن أجهزة الاستخبارات الأميركية وحتى الإسرائيلية ذات الحضور القوي في أفريقيا ذلك تراقب من كثب”.
“اندبندنت عربية”