التمنودونتوصور.. زاحف بحري احترف الصيد في الظلام قبل 183 مليون سنة | علوم


روكب اليوم

|

في اكتشاف مذهل يسلط الضوء على أسرار عصور ما قبل التاريخ كشف فريق بحثي دولي عن حفرية نادرة لزعنفة كائن بحري عملاق يعرف باسم “تمنودونتوصور”، أي الزاحفة قاطعة الأسنان.

ويعد التمنودونتوصور أحد أنواع الإكثيوصورات (زواحف بحرية من العصر الطباشيري تشبه الدلافين) التي عاشت قبل نحو 183 مليون عام، وأظهرت هذه المفترسات البحرية قدرات صيد صامتة شبيهة بتلك التي تتمتع بها طيور البوم في الظلام.

وتقدم الدراسة -التي نشرت يوم 16 يوليو/تموز الجاري في مجلة “نيتشر” وشارك فيها علماء من تخصصات متعددة شملت علم الحفريات والهندسة والفيزياء وعلوم الأحياء- أدلة غير مسبوقة على تكيفات مدهشة لدى هذا الزاحف البحري القديم مكنته من الحركة بصمت في أعماق البحر أو خلال ساعات الليل، مما يشير إلى إستراتيجية صيد معقدة كانت تضمن له تفوقا قاتلا على فرائسه في بيئة منخفضة الإضاءة.

الحفريات التي وجدها العلماء (يوهان ليندغرين)

قصة تطور غير مسبوقة

ويوضح المؤلف الرئيسي للدراسة يوهان ليندغرين المحاضر في البيولوجيا الجزيئية لما قبل التاريخ بجامعة لوند في السويد أن التحاليل أظهرت أن شكل الزعنفة أشبه بجناح، مع غياب العظام من الطرف النهائي وحافة خلفية مسننة على نحو واضح.

ويوضح ليندغرين في تصريحات للجزيرة نت أن هذه الصفات كلها تشير إلى أن الحيوان طوّر وسائل لتقليل الضجيج الناتج عن السباحة بشكل شبيه بالبوم الذي تطورت ريشاته ليصطاد بهدوء تام ليلا.

“لم نشهد مثل هذه التكيفات المعقدة في أي حيوان بحري من قبل” كما أوضح ليندغرين، ويضيف أن هذا الاكتشاف الفريد يعود إلى جامع حفريات ألماني يدعى جورج جولتز الذي عثر صدفة على الزعنفة الأحفورية أثناء تنقيبه عن الحفريات في موقع مؤقت بمحاذاة طريق في بلدة دوتيرنهاوزن بألمانيا، وتبين لاحقا أنها تمثل زعنفة أمامية شبه كاملة تتضمن الجانبين الداخلي والخارجي، مما سمح للفريق بتحليل تفاصيلها الدقيقة.

ويقول ليندغرين “المثير في هذه الزعنفة أنها احتفظت بأنسجة رخوة متحجرة، وهو أمر نادر للغاية، خاصة عند الكائنات البحرية العملاقة، ففي السابق اقتصرت بقايا الأنسجة الرخوة على أنواع صغيرة من الإكثيوصورات لا يتجاوز حجمها حجم الدلافين، أما في هذا الاكتشاف فقد تم توثيق أول نسيج رخوي محفوظ لكائن بحري يزيد طوله على 10 أمتار”.

من أعماق التاريخ إلى مستقبل البحار

تتميز الزعنفة الخاصة بهذا الكائن بحافتها الخلفية المسننة التي تحتوي على هياكل معدنية دقيقة شبيهة بالعصيات الغضروفية، ولم يسبق رؤيتها في أي كائن حي أو منقرض، وفقا للدراسة.

ويشير المؤلفون إلى أن هذا النوع من الإكثيوصورات امتلك عيونا عملاقة بحجم كرة القدم، وهي الأكبر بين الفقاريات المعروفة، مما يعزز الفرضية القائلة إنه كان يتغذى في بيئات مظلمة، سواء في أعماق البحر أو خلال الليل.

الجانب الأكثر إلهاما في الدراسة لا يقتصر فقط على الجوانب التطورية، بل يمتد ليشمل الحاضر والمستقبل، فالصمت الذي تميز به هذا الزاحف قد يحمل دروسا للبشرية في تقليل التلوث الصوتي البحري الناتج عن أنشطة السفن والسونارات العسكرية والمسح الزلزالي ومزارع الرياح البحرية، بحسب الباحث.

ويوضح المؤلف الرئيسي للدراسة أن الفريق البحثي استعان بمجموعة من الأساليب المتطورة لدراسة العينة شملت التصوير بأشعة السينكروترون والتحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء والنمذجة الحاسوبية لديناميكيات السوائل، بالإضافة إلى تحاليل جزيئية دقيقة.

ويقول ليندغرين إن “القدرة على إعادة بناء قدرات التخفي لدى حيوان منقرض بهذه الدقة أمر رائع بحد ذاته، لكن ما يضاعف أهمية هذا الاكتشاف هو إمكانية استخدامه كمصدر إلهام لتقنيات تساعد في تقليل التأثيرات السلبية للضوضاء البشرية على الحياة البحرية الحديثة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Enable Notifications OK No thanks