
تشهد الولايات المتحدة هيمنة متزايدة على سوق التكنولوجيا العالمي، مدفوعة بتفوق شركات وادي السيليكون في كاليفورنيا، في وقت تعاني فيه أوروبا من عجز واضح في بناء شركات تكنولوجية منافسة.
ووفق تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن أوروبا لم تتمكن من إنشاء شركات تكنولوجية عملاقة تضاهي نظيراتها الأمريكية مثل “غوغل”، “أمازون”، “ميتا” و”أبل”، مشيرة إلى أن القيمة السوقية لشركة “أبل” وحدها تفوق مجمل قيمة سوق الأسهم الألمانية.
ويرى التقرير أن ضعف قطاع التكنولوجيا يمثل أحد العوامل الرئيسية في ركود الاقتصاد الأوروبي، لا سيما في ظل التحديات الإضافية التي تلوح في الأفق، من بينها احتمال فرض رسوم جمركية جديدة قد تعرقل مسارات النمو.
ويعزو التقرير أسباب هذا التراجع الأوروبي إلى عدة عوامل، من أبرزها ثقافة العمل التي تميل إلى الحذر وتجنب المخاطرة، إضافة إلى القوانين الصارمة في سوق العمل، والبيروقراطية التنظيمية الثقيلة، إلى جانب نقص في التمويل الاستثماري، وتراجع النمو الاقتصادي والسكاني.
واستعرض التقرير تجربة رجل الأعمال الألماني توماس أودنوالد، الذي عاد من وادي السيليكون إلى ألمانيا بهدف تأسيس شركة تكنولوجية رائدة، لكنه سرعان ما صُدم من ضعف المهارات، وغياب الحوافز، وبطء الإجراءات، ما دفعه للاستقالة والعودة إلى الولايات المتحدة بعد شهرين فقط. وقال أودنوالد إن وتيرة التطور في وادي السيليكون لا يمكن لأوروبا مجاراتها.
كما أشار التقرير إلى تخلي شركة “أليف ألفا” الألمانية عن طموحها في تطوير نموذج واسع النطاق للذكاء الاصطناعي، وتوجّهها بدلًا من ذلك نحو تقديم خدمات موجهة للحكومات والشركات.
وحذر التقرير من أن أوروبا لم تستفد من الموجة الرقمية الأولى، وتبدو في طريقها لتفويت الثورة التكنولوجية المقبلة، خصوصًا في ظل التفاوت الكبير في مستويات الاستثمار في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المستقبلية، حيث تستثمر الولايات المتحدة والصين ما يقارب خمسة أضعاف ما تستثمره أوروبا.
وسلط التقرير الضوء على تغريدة ساخرة نشرها المستثمر الأمريكي مارك أندريسن، قارن فيها بين السباق التكنولوجي المحموم بين أمريكا والصين، وتركيز أوروبا على تنظيم قوانين إعادة التدوير، في إشارة إلى انشغال أوروبا بأولويات اعتبرها غير جوهرية.
وبحسب الأرقام، فإن أوروبا لا تمتلك سوى أربع شركات من بين أكبر خمسين شركة تكنولوجية في العالم، رغم أنها تمثل نحو 21% من الاقتصاد العالمي. ويعكس ذلك، وفق التقرير، مشكلة بنيوية لا تتعلق بالتكنولوجيا فقط، بل بعدم قدرة أوروبا على خلق شركات جديدة تحدث تحولات في السوق.
ففي حين أن الولايات المتحدة أنشأت 241 شركة تكنولوجية كبرى تزيد قيمة كل منها عن 10 مليارات دولار خلال نصف قرن، لم تنشئ أوروبا سوى 14 شركة فقط. ويؤكد التقرير أن الشركات الجديدة تسهم في زيادة الإنتاجية وتحقيق النمو، بينما لا تزال أوروبا تعتمد بشكل أساسي على قطاعات تقليدية مثل البنوك وصناعة السيارات.
ويشير التقرير إلى أن إنتاج العامل الأوروبي كان في التسعينات قريبًا من نظيره الأمريكي، لكنه اليوم لا يتجاوز 80% مما ينتجه العامل الأمريكي في الساعة. كما أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي أصبح أصغر بثلث من الاقتصاد الأمريكي، ونموه خلال العامين الماضيين بلغ فقط ثلث معدل النمو في الولايات المتحدة.