القائد الشهيد اللواء صالح أحمد محمد السيد… سيرة بطل جنوبي لا تُنسى

الناشط الحقوقي أسعد أبو الخطاب

في زمن تتداخل فيه المواقف وتتشابك فيه المصائر، لا يبقى إلا أولئك الذين خلدوا أسماءهم على صفحات التاريخ بمداد من نضال، ووفاء، وتضحية.
واحدٌ من هؤلاء الرجال هو القائد الشهيد اللواء صالح أحمد محمد السيد، أحد أبرز رموز النضال العسكري في الجنوب، الذي كتب فصولاً نادرة من الفداء، وارتقى شهيدًا بعد عمرٍ من الكفاح والتحدي في ميادين الشرف.

نشأة من رحم التضحية وبدايات في درب الشرف:

وُلد الشهيد القائد صالح السيد في عام 1947م في مديرية يافع – منطقة الحد محافظة لحج، في بيئة جبلية قاسية، لكنها شكلت شخصية صلبة لا تنكسر، ونفسًا جبلية لا تهزم.

التحق بالسلك العسكري في عام 1988م، التحق بمعسكر العند، ضمن الشرطة العسكرية، وبعد ستة أشهر فقط، انتقل إلى اللواء الخامس بمحافظة لحج، وهناك بدأت ملامح رجل عسكري منضبط وملتزم تتشكل بثبات.

مرافق القيادة الجنوبية في صنعاء قبل الانكسار:

بعد إعلان الوحدة اليمنية، نُقل الشهيد صالح السيد إلى العاصمة صنعاء، وعُيّن ضمن الحرس الرئاسي كمرافق لنائب الرئيس علي سالم البيض، ثم كمرافق خاص لوزير الإسكان محمد أحمد سلمان الوالي.
في هذه الفترة، كان شاهداً على الانقسام العميق بين شريكي الوحدة، ومع اشتداد التوترات قبيل حرب 1994م، كُلّف بمهمة خاصة إلى صنعاء، وأُسر خلالها من قبل قوات صنعاء، وقبع في سجون الأمن السياسي ثلاثة أشهر.

ورغم أن الإفراج عنه جاء بقرار من وزير الدفاع عبدربه منصور هادي، إلا أن تجربة الأسر مثّلت تحولًا حاسمًا في موقفه من النظام، خصوصًا بعد أن عُيّن في الشرطة العسكرية بذمار، وواجه هناك أبشع صنوف التهميش والعنصرية، ما دفعه للاصطدام بقيادة الشرطة العسكرية، ثم أُسر مجددًا.

لكن القائد الجنوبي لم يرضَ بالذل فهرب من السجن بعد 25 يومًا، وعاد إلى يافع معتزلاً العمل العسكري، لكنه ظل حاضرًا في الوعي الجنوبي المقاوم.

من المنفى إلى معسكرات المقاومة:

في عام 2000م، غادر الوطن إلى المملكة العربية السعودية، حيث أسس مع رفاقه من الجنوبيين “مجموعة 33 الجنوبية”، وهي نواة سياسية وحركية داعمة للحراك الجنوبي السلمي… هناك بدأ الاستعداد لليوم الذي يعود فيه الجنوب ليستعيد قراره بيده.

وحين اندلعت حرب 2015م ضد الجنوب، كان القائد صالح السيد من أوائل من لبّى النداء… بالتنسيق مع القيادات الجنوبية في الداخل والخارج، وعلى رأسهم محمد علي الشدادي، شكّل كتيبة سلمان من شباب الجنوب المقيمين في المملكة، وقادهم عائدًا إلى العاصمة عدن عبر البحر، حيث التحم مع المقاومة الجنوبية في أشد مراحل الحرب.

قائد المعارك الكبرى لتحرير الجنوب:

كانت أولى معاركه هي معركة رأس عمران، التي شكلت نقطة الانطلاق نحو تحرير العاصمة عدن.
وفي التواهي، أصيب برصاص قناص حوثي، لكنه رفض البقاء في المستشفى وعاد فورًا إلى الجبهة.

بعد تحرير العاصمة عدن، انتقل إلى جبهة لحج، فقاتل بضراوة لتحريرها، من كرش إلى قاعدة العند، بجانب محافظ محافظة لحج، اللواء الركن أحمد عبد الله علي تركي، واللواء فضل حسن، قائد المنطقة العسكرية الرابعة، حيث أُصيب القائد صالح السيد بشظية في وجهه في معركة كرش، لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في القتال، فواصل المسير إلى باب المندب ومعسكر العمري وذباب، محررًا مع إخوانه بوابات الجنوب من التسلط.

من قائد ميداني إلى رجل أمن دولة:

بعد التحرير، تولى الشهيد مهمة ترقيم ودمج أفراد كتيبة سلمان في صفوف الجيش، ثم عُيّن قائدًا لفرقة المداهمات في قوات الحزام الأمني بمحافظة لحج.
وفي هذا المنصب، كانت يده الضاربة تطهر محافظة لحج من الجماعات الإرهابية، بإمكانات محدودة، لكنها مدفوعة بعزيمة لا تعرف المستحيل.

بطقمين ومدرعتين فقط، دخل الشهيد السيد إلى عمق المحافظة، وتمكن من إعادة العمل الإداري للمؤسسات، وتأمين المدن والطرقات.
كما شارك في عمليات نوعية بالعاصمة عدن وأبين… ضد أوكار الإرهاب، وأُصيب خلالها برصاصة في الظهر، بينما استُشهد المقدم مختار القاضي، أحد الرجال الاوفياء ومن الاذرع الصلبة الذين اعتمد عليهم القائد اللواء صالح السيد أركان القوات البرية مدير أمن محافظة لحج.

وبعد خضوعه لعملية جراحية في مستشفى “أطباء بلا حدود”، عاد السيد مجددًا ليمسك زمام القيادة، ويُثبت مجددًا أن الشهداء لا يعرفون التراجع.

التتويج بقيادة الأمن في لحج:

في 20 نوفمبر 2016م، عُيّن الشهيد اللواء صالح السيد مديرًا لأمن محافظة لحج، بقرار من وزير الداخلية اللواء حسين عرب، وترشيح من محافظ لحج حينها د. ناصر الخبجي.
وخلال فترة قيادته، أعاد بناء المؤسسة الأمنية في المحافظة، وضرب بيد من حديد على أوكار الفوضى، ليحفر اسمه كأحد رموز الاستقرار والبناء.

رجل لا يشيخ… ولا يكلّ:

رغم أنه كان في العقد السابع من عمره، ظل القائد الشهيد يعمل كأنه في ريعان الشباب… لم يكن يقف مكتوف اليدين، بل كان يقوم بصيانة المدرعات والدبابات والمدفعية الثقيلة بيده، وكأن روحه لا ترتاح إلا بين العتاد والجنود.

الرحيل… وخسارة وطن:

رحل القائد صالح السيد عن عمر ناهز 77 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا نضاليًا وإنسانيًا قلّ نظيره… لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان ضمير الجنوب، وصوت الجبهات، وسند الضعفاء، لا يعرف الترف، ولا يغريه المنصب، فظل ابنًا للأرض التي أحبها حتى آخر رمق في حياته.

كلمة أخيرة:

بدمه، كتب القائد صالح السيد سطورًا لا تُمحى من ذاكرة الجنوب، سيظل اسمه علمًا من أعلام التضحية، وقدوة للأجيال القادمة.
في زمن المواقف الرمادية، كان السيد وجهًا نقيًا للحق، لا ينحني ولا يساوم، بل يضع روحه فداءً لقضية آمن بها حتى النهاية.

رحم الله الشهيد القائد، وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما قدمه للوطن شفيعًا له يوم الحساب.

إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Enable Notifications OK No thanks