
روكب اليوم
12/7/2025–|آخر تحديث: 17:33 (توقيت مكة)
الكفير مشروب حليبي مخمر يروج له على نطاق واسع لفوائده الصحية، خصوصا في دعم الهضم، صحة الأمعاء، وتقوية المناعة. ويعد غذاء أساسيا في ثقافات متعددة، وازدادت شعبيته بين محبي الصحة الطبيعية وذلك لكونه غنيا بالبروبيوتيك والعناصر الغذائية، ولسهولة هضمه، وهذا يجعله خيارا مفضلا لدى كثيرين، بل ويعتبره البعض أكثر فائدة من الزبادي. لكن هل يستحق لقب “المشروب الخارق”؟
ما الكفير؟
الكفير هو مشروب مخمر تقليدي تعود جذوره إلى منطقة القوقاز، حيث استمر اعتباره طعاما مقدسا لقرون. يحضر بإضافة “حبوب الكفير”، وهي مستعمرات حية من البكتيريا والخمائر، إلى الحليب الحيواني أو النباتي. هذه الكائنات الدقيقة تخمر اللاكتوز وتحوله إلى حمض اللاكتيك، ما يمنح الكفير نكهته الحامضة وقوامه السائل المشابه للزبادي. ويتنوع الكفير بين كفير الحليب (من البقر أو الماعز)، كفير الماء (من ماء محلى)، وكفير جوز الهند، وهذا يجعله مناسبا للنباتيين وغير المتحملين للاكتوز.
يتميز الكفير ليس بطعمه فحسب، وإنما أيضا بكونه غنيا بالبروبيوتيك، الفيتامينات، والمعادن، وهذا يجعله مشروبا مفيدا لصحة الجهاز الهضمي والمناعة العامة.
ليس مجرد بديل للزبادي
للكفير فوائد متعددة تتجاوز كونه مجرد بديل للزبادي، إذ يتميز بتأثيره الأوسع على صحة الجسم بشكل عام. ومن أبرز هذه الفوائد:
صحة الجهاز الهضمي: التوازن البكتيري المثالي
يُعد تحسين صحة الجهاز الهضمي من أبرز فوائد الكفير، إذ يلعب دورا مهما في استعادة توازن “الميكروبيوم المعوي”، وهي مجموعة معقدة من البكتيريا النافعة والضارة التي تعيش في المعدة والأمعاء. ويؤدي اختلال هذا التوازن، نتيجة عوامل مثل المضادات الحيوية أو التوتر أو النظام الغذائي غير المتوازن، إلى اضطرابات هضمية تشمل الانتفاخ، الغازات، الإمساك، أو الإسهال.
ويمتاز الكفير باحتوائه على نحو 60 نوعا من الكائنات الحية الدقيقة المفيدة، وهو عدد يفوق ما يحتويه الزبادي التقليدي. هذه الكائنات تساعد في إعادة التوازن للميكروبيوم وتعزز عملية الهضم وامتصاص العناصر الغذائية. كما أظهرت دراسة نُشرت في مجلة كورس للعلوم الطبية عام 2022، أن للكفير تأثيرا فعّالا في تخفيف أعراض متلازمة القولون العصبي، سواء المصحوبة بإمساك أو بإسهال.
الكفير والمناعة: دفاعات أقوى من الداخل
يساهم الكفير في تعزيز الجهاز المناعي بفضل غناه بالبروبيوتيك، التي تدعم توازن الميكروبيوم في الأمعاء، حيث يتركز نحو 70% من جهاز المناعة. هذا التوازن يعزز إنتاج الأجسام المضادة ويزيد من نشاط الخلايا الدفاعية مثل الخلايا التائية. كما يساعد تنوع البكتيريا المفيدة في مقاومة الأمراض، ويحتوي الكفير أيضا على فيتامين “ب 12” (B12) الضروري لوظيفة المناعة الطبيعية، وهذا يجعله خيارا فعّالا لدعم الصحة الدفاعية للجسم.
تنظيم السكر في الدم
أشارت دراسات عدة إلى أن الكفير قد يساعد في تحسين السيطرة على مستويات السكر في الدم، خاصة لدى مرضى السكري. فقد أظهرت دراسة أُجريت عام 2021 في كلية الطب بجامعة مشهد الإيرانية أن تناول الكفير يُسهم في خفض مستويات السكر الصائم والأنسولين في الجسم. ويرتبط هذا التأثير بقدرة الكفير على تقليل الالتهابات، وتعزيز الهضم، وتحسين امتصاص المغذيات، وهذا يدعم توازن الجلوكوز بشكل عام.
كما كشفت دراسة أخرى نُشرت عام 2020 في جامعة ألبرتا الكندية عن دور الكفير في الوقاية من السمنة والاضطرابات الأيضية، ما يُعزز بدوره تأثيره الإيجابي على المؤشرات الحيوية المرتبطة بمرض السكري.
صحة عظام أفضل
الكفير غني بالكالسيوم، المغنيسيوم، الفسفور، وفيتامين “د”، ويتميز باحتوائه على فيتامين “ك 2” الذي يلعب دورا مهما في توجيه الكالسيوم إلى العظام بدل من الشرايين، وهذا يعزز كثافة العظام ويقلل خطر هشاشتها.
مناسب لحالات عدم تحمل اللاكتوز
من أبرز مزايا الكفير أنه يعد خيارا مثاليا للأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز. فخلال عملية التخمير، تقوم البكتيريا والخمائر بهضم اللاكتوز وتحويله إلى حمض اللاكتيك، وهذا يقلل من نسبته في المنتج، ويجعله أكثر سهولة في الهضم لدى من يعانون من حساسية تجاه هذا السكر.
الكفير والدماغ: الرابط بين الأمعاء والمزاج
تشير الأبحاث الحديثة إلى وجود علاقة وثيقة بين صحة الجهاز الهضمي والحالة النفسية، فيما يُعرف بـ”محور الأمعاء-الدماغ”. فقد بيّنت دراسة نُشرت عام 2024 في جامعة فرجينيا، في مجلة الدماغ والسلوك والمناعة، أن البكتيريا النافعة في الأمعاء تُنتج نواقل عصبية مهمة مثل السيروتونين والدوبامين، التي تؤثر في المزاج والنوم ومستوى القلق.
وبفضل احتوائه على البروبيوتيك، يُمكن للكفير أن يُسهم في تقليل مشاعر الاكتئاب والقلق، وتحسين المزاج والذاكرة، عبر تقليل الالتهابات وتحفيز إنتاج تلك النواقل العصبية.
هل الكفير مشروب خارق؟
رغم أن الكفير يعد من المشروبات المفيدة لصحة الجهاز الهضمي والمناعة، إلا أنه ليس “سحريا”، ولا يغني عن اتباع نظام غذائي متوازن. وتختلف استجابة الأجسام له، وبعض فوائده ما تزال بحاجة إلى مزيد من الدراسات. كما أنه لا يناسب الجميع، خصوصا من يعانون من ضعف المناعة، الحساسية الشديدة للحليب، أو متلازمة القولون العصبي الحادة. وقد يسبب الكفير أعراض خفيفة مثل الانتفاخ أو الإسهال عند البدء في استهلاكه، لذا ينصح باستشارة الطبيب قبل تناوله بانتظام، خاصة في حالات الأمراض المزمنة أو العلاج المناعي.
الكفير هو أكثر من مجرد مشروب؛ إنه نظام بيئي مصغر يعزز الصحة من الداخل، يدعم الهضم، يقي من الأمراض، ويسهم في تحسين المزاج والمناعة. ومع أن فوائده لا تزال قيد الدراسة والتوسع، إلا أن الدراسات الحالية والاستخدام الواسع تدعم بقوة مكانته كمشروب صحي غني بالفوائد ويعد إضافة فعالة لنظامك الغذائي.