المتحف المصري الكبير.. نموذج للابتكار الثقافي : روكب اليوم الاقتصادية


روكب اليوم
2025-10-30 14:32:00

1682537

يعد الابتكار الثقافي مفهوماً واسعاً ومتعدد الرؤى حيث يجمع بين الإبداع، والهوية، والتكنولوجيا بهدف تطوير منتجات أو خدمات أو أنشطة ثقافية جديدة تعزز من القيمة الاجتماعية والاقتصادية للثقافة، ولذلك أرى أن هذا الصرح العالمي نموذج مصري رائد في تطبيق الابتكار الثقافي وربط الثقافة بالتنمية المستدامة.

حيث يجسد المتحف المصري الكبير المفهوم الحقيقي «للابتكار الثقافي» إذ نجحت مصر من خلاله في تحويل التراث التاريخي إلى تجربة معرفية واقتصادية وسياحية متكاملة، فالمتحف لم يُصمَّم كمكان لعرض القطع الأثرية فحسب، بل كنموذج يجمع بين الثقافة، والابتكار، والاقتصاد الإبداعي، بما يتماشى مع رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، ولذلك يعد المتحف منارة حضارية مصرية للثقافة في العالم ومركزاً عالمياً للحوار الثقافي بين الحضارات.


googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-1738926244764-0’); });

وبالتالي فالمتحف نقطة التقاء بين عدة محاور مهمة أولها الهوية المصرية والتي كانت في أشد الحاجة إلى هذا المشروع، كما أنه نقطة التقاء بين التاريخ والحاضر والمستقبل هذا إلى جانب أنه إضافة كبيرة للقوة الناعمة المصرية تمويل المشروع نموذج يُحتذى في التعاون الدولي.

أوجه الابتكار في المشروع

فالمتاحف بشكل عام تعد تتويجاً لجهود حفظ التاريخ والثروات التراثية والثقافية للأمم والشعوب، وتتعدد أوجه الابتكار في المشروع بداية من التصميم المتميز والذي يراعي معايير الاستدامة وحتى طريقة العرض المتحفي، حيث صُمِّمت طريقة العرض لتقدم تجربة تفاعلية تعليمية وثقافية ممتعة وترفيهية تقوم على الدمج بين التاريخ، والتكنولوجيا والتجربة البصرية التفاعلية لتقدم في النهاية نماذج من الإلهام والابتكار يمكن تطبيقها في الحاضر والمستقبل، هذا بالإضافة إلى تحقيق انسجام بصري مع البيئة المحيطة.


googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-1739447063276-0’); });

استغرق بناء المتحف وقتاً طويلاً نسبياً فكانت البداية الحقيقية عام 2002 عندما أعلن عن المسابقة الدولية لتصميم المشروع، وشارك فيها نحو أكثر من 1500 مكتب هندسي من 80 دولة.

وبالحديث عن الاستدامة للمباني الذكية والموفرة للطاقة، لا يمكن أبداً إغفال المجهود الكبير في بناء المتحف، إذ حصل على الشهادة الدولية EDGE Advanced للمنشآت الخضراء، مما يجعله الأول من نوعه في إفريقيا والشرق الأوسط بهذا التصنيف، كما تم تصميم المتحف بمواصفات لخفض استهلاك الطاقة بنسبة تقدَّر بـ60% مقارنةً بمبنى تقليدي، وخفض استهلاك المياه بنحو 34% تقريباً، بالإضافة إلى سقف عاكس يقلل الامتصاص الحراري وتظليل خارجي، وعدّادات ذكية لقياس استهلاك الطاقة، وتركيبة لتوليد الطاقة الشمسية.

وفي هذا السياق أعتقد أن أحد أهم مشروعات الدولة المصرية في مجال الابتكار الثقافي والصناعات الإبداعية، وهو مصنع «كنوز» وهو مصنع يعمل على إنتاج مستنسخات أثرية مطابقة للأصل وفق معايير عالمية دقيقة تراعي حماية الملكية الفكرية للآثار المصرية، وكل قطعة مستنسخة تخرج من المصنع تحمل شهادة رسمية من وزارة السياحة والآثار ورقماً تسلسلياً يضمن أصالتها ومصدرها القانوني و للمصنع منفذ بيع في المتحف الكبير وبالتالي تضمن منظومة عمل المتحف، حفظ حقوق الحضارة المصرية واستغلالها، بشكل اقتصادي من خلال مؤسسة وطنية وهو مفهوم غير تقليدي يضمن تنمية الصناعات التراثية المصرية وتصديرها، وذلك بدلاً من استغلال دول أخرى المستنسخات الأثرية الفرعونية تجارياً دون أن تستفيد منها الدولة المصرية وهي صاحبة الحق الأصيل.

التكلفة والعائد للمشروع

بلغت التكلفة الإجمالية لبناء المشروع نحو 1 مليار دولار أميركي تقريباً، الجزء الأكبر من تمويل المشروع وصل من جانب اليابان (JICA) عبر قروض ميسَّرة للتنمية بقيمة 800 مليون دولار تقريباً وستسدد بالكامل، وهنا نقطة مهمة صحيح أن هناك تعاوناً يابانياً في تمويل المتحف، ولكن في النهاية تبقى تكلفة إنشاء المتحف مصرية وطنية، ومن المتوقع أن يجذب المتحف أكثر من 5 ملايين زائر سنوياً من مختلف أنحاء العالم بعد الافتتاح الكامل وبالتالي هناك إيرادات يتوقع تحقيقها تغطي التمويل.

ولذلك يمكن القول إن المتحف يسهم في رفع متوسط الإنفاق السياحي للسائح من خلال أنشطة البيع بالتجزئة والمطاعم الفاخرة والمعارض، كما أن المتحف يدعم المنتجات التراثية المصرية كالحرف اليدوية والمشغولات المستوحاة من الحضارة القديمة، هذا بالإضافة إلى أن المتحف مؤسسة لبناء كوادر بشرية متميزة ومؤثرة دولياً في مجالات «السياحة والآثار والثقافة»، وهو ما يضع القاهرة في قوائم المقاصد الثقافية العالمية الأولى إلى جانب باريس وروما وأثينا، والمتحف سيكون مركزاً مهماً لتنظيم الأحداث الدولية في مصر، على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأميركية تم اختيار مركز Kennedy Center للثقافة والفنون في العاصمة الأميركية واشنطن لاستضافة قرعة كأس العالم 2026 وبالمثل يمكن تطبيقه في المتحف والذي يتميز بتفرد واستثنائية يجعله قابلاً لتنظيم أحداث مهمة في المستقبل وبالتالي يعد إضافة كبيرة إلى البنية التحتية المصرية.

القوة الناعمة المصرية

وعلى جانب آخر تُعد مصر صاحبة بصمات واضحة في صناعة السلام في إقليم يشهد تعقيدات سياسية متشابكة، ويأتي افتتاح المتحف المصري الكبير عقب قمة شرم الشيخ للسلام وقمة مصر والاتحاد الأوروبي ليؤكد مكانة مصر ودورها المتنامي على الساحة الدولية، بما يجمع بين دبلوماسيتها النشطة وقوتها الحضارية وهو ما يؤكد أن القوة الثقافية المصرية تسير جنباً إلى جنب مع القوة الدبلوماسية والسياسية، وهو ما يجعل مصر مركزًا إقليميًا للتأثير الحضاري في القرن الحادي والعشرين.

في النهاية أعتقد أنه من المناسب جداً إطلاق مؤتمر سنوي دولي أثري ثقافي حول علم المصريات ليشكل نقطة جذب عالمية، كما أعتقد أنه لابد من دراسة إطلاق بودكاست بلغات متعددة مع مؤثرين حول الثقافة المصرية، كما يمكن إصدار دعوات سنوية للمؤثرين على مستوى العالم في وسائل التواصل الاجتماعي لإطلاق رحلات إلى المتحف في محاولة لنشر دعاية عالمية عن المتحف، كما يمكن إطلاق جائزة عالمية سنوية للمتحف في مجال السياحة والآثار والثقافة، وفي النهاية فالمتحف المصري الكبير ليس صرحاً أثرياً وثقافياً فقط، بل هو استثمار في هوية مصر ومستقبلها الثقافي، فهذا المشروع الكبير يُجسد رؤية مصر المستقبلية والتي تدمج بين الثقافة والاقتصاد والمعرفة، ليصبح أحد أهم رموز قوتها الناعمة عالمياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Enable Notifications OK No thanks