Site icon روكب اليوم

المركز الوطني لبحوث الثروة الحيوانية.. ماضي عريق وأمل يلوح في الأفق

%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B20074000.webp
روكب اليوم

هي اليمن بجبالها وسهولها، بأوديتها وهضابها، بغاباتها ومراعيها ومسطّحاتها الخضراء الغَنّائة التي تَسَر الناظرين، كل هذا شكّل تضاريس متنوعة جعلها بيئة خصبة لتكاثر الثروة الحيوانية بأنواعها “أغنام، ماعز، أبقار، جمال،دواجن”، ولوَفرتها عمد الرُعاة على امتلاكها والانتفاع بها منذُ القِدم ووثقوا ذلك في النقوش والمخطوطات التي ظلت شاهدة على علاقة الراعي اليمني بالثروة الحيوانية منذ مئات السنين حتى يومنا هذا.


في العصر القديم والحديث اعتمدت الزراعة على الثروة الحيوانية في الحراثة والتسميد، كما اعتمدت الصناعة على أصوافها ولحومها وحليبها فضلًا على أستخدامها للنقل بين مختلف المناطق، من هُُنا تعاظمت أهمية الثروة الحيوانية وصارت ثروة مُتجددة استغلتها الدول في العصر الحالي واهتمت بها اهتمام خاص.
  • بلادنا تستغل ثروتها الحيوانية
لمواكبة التقدم في علوم الثروة الحيوانية قام رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سالم رُبيّع علي في سبعينيات القرن الماضي بافتتاح محطتين في محافظة لحج الأولى لتربية وإكثار وتحسين سلالة الماعز، والأخرى لتربية وإكثار وتحسين سلالة الأغنام كانت المحطتين تتبع حِينها للإدارة العامة للثروة الحيوانية بوزارة الزراعة.
في بداية الافتتاح اقتصرت مهام المحطتين على تربية السلالات المحلية من الماعز والأغنام بهدف زيادة حجمها ومواليدها وإنتاجها من الألبان من خلال أساليب تغذية علمية وبرامج للرعاية والصحة الحيوانية والتزاوج.

لم يقتصر عمل المحطات عند هذا فلقد قامتا على امتداد سنوات عملها الطويلة بنشر الدراسات والأبحاث التي أجرتها على الثروة الحيوانية التي تمتلكها من حيث أصنافها وصفاتها وإمكانية تطويرها والحفاظ عليها، بالإضافة إلى نشر طرق التربية السليمة والتغذية والمغذيات وأنواع الأعلاف أوضاع المراعي الطبيعية وسبل الحفاظ عليها والتي ساهمت في زيادة المراعي والحفاظ على صحة الحيوانات وتقليل الوفيات بينها وزيادة أعدادها وأحجامها وألبانها.


بعد سنوات قليلة من افتتاح المحطتين تم جلب ماعز وأغنام وأبقار بعضها من باكستان وأستراليا والصومال والبعض الآخر “شامية” من قبرص بهدف تحسين نسل السلالات المحلية من الحيوانات التي تمتلكها المحطتين من خلال التزاوج مع الحيوانات التي تم جلبها من خارج البلد.
  • افتتاح أول مركز للتلقيح الاصطناعي للأبقار بالجزيرة العربية

لاحقًا تم افتتاح مركز للتلقيح الاصطناعي للأبقار أيضًا في لحج، كما تم تزويده بالأجهزة والمعدات الطبية و المخبرية للقيام بالتلقيح والذي كان يعتبر الأول من نوعه في الجزيرة العربية.

  • نجاح فاق التوقعات
النتائج التي تَمخّضت عن عمل مركز التلقيح الاصطناعي فاقت التوقعات، فالمواليد الجديدة من الأبقار كانت أكثر حجمًا وإنتاجًا ومقدرة على زيادة مواليدها، فلقد نجح مركز التلقيح الاصطناعي على تحسين نسل الأبقار التي يمتلكها المركز والمحطتين من خلال تلقيحها اصطناعيًا بحيوانات منوية لسلالات محسّنة من الأبقار تم جلبها من الخارج بطُرق علمية.
  • نشاط شمل كل اليمن

سرعان ما توسع نشاط مركز التلقيح الاصطناعي والمحطتين وصاروا يمتلكون قطعان من الأغنام والماعز والأبقار المُحسّنة والتي كانت توزع للمزارعين في عموم المحافظات الجنوبية ليقوموا بتربيتها مع ما يمتلكون من تلك الحيوانات لتختلط وتتزاوج فيما بينها بهدف انتشار تلك السلالات المُحسّنة ذات الأوزان الأكبر والإنتاج الأكثر من الألبان فضلًا عن زيادة مواليدها. رادف هذا توسع في نشاط إنتاج الأعلاف الغنية ذات الاحتياجات القليلة من مياه الري.

  • علماء وكادر تتفاخر بهم اليمن
أكثر ما ميّز عمل المحطتين هو كوادرها المدرّبة التي عملت فيها لسنوات طويلة، فلقد تم إلحاق مختصين محليين وانتداب خبراء في تنمية الثروة الحيوانية والتلقيح الاصطناعي من جنسيات عربية وأجنبية (كوبا، بلغاريا، أمريكا، اليابان).

د. حامد محمد عبدالشكور، د. عمر لرضي ود. خضر عطروش المهندسة سعاد علي، الأستاذ بالليل علي ،المهندس حسن سالم العقربي، كوادر أَفنت عمرها في خدمت مراكز الثروة الحيوانية والتلقيح الاصطناعي وقادت العمل البحثي باقتدار وكفاءة.

  • دمج وإعادة هيكلة
عام 1989 تم دمج المحطتين تحت مسمى مركز تحسين السلالات الحيوانية على أن تكون تلك التي في مديرية تبن هي مقرها، حينها انتقلت إدارة المركز من الإدارة العامة للثروة الحيوانية إلى الإدارة العامة للإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة.
بعد عام 1994 من لقرن المنصرم تم نقل مركز التلقيح الاصطناعي مع ما يمتلكه من معدات وأبقار من لحج إلى محافظة ذمار، حيث بقية هناك معدات التلقيح حبيسة المخازن بينما اختفت أبقار المركز في جنح الليل لينتهي حينها قصة أول مركز للتلقيح الاصطناعي بالجزيرة العربية.
  • محاولات للنهوض
عام 1998 تم تغيير اسم المركز إلى المركز الوطني لبحوث الثروة الحيوانية على أن يشمل نشاطه كل محافظات اليمن وجُعلت الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي هي المسؤولة عليه، تم إضافة برامج للتلقيح الاصطناعي للماعز والأغنام بالتعاون مع المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (اكساد) ووحدة للتربية وتسمين الإبل بهدف التوسع والنهوض في نشاط المركز، كما احتضنت أسواره خمسة أقسام بحثية متمثلة” قسم بحوث تربية الحيوان، قسم بحوث تغذية الحيوان، قسم بحوث صحة الحيوان والبيطرة، قسم بحوث الأعلاف والمراعي قسم البحوث الاقتصادية والاجتماعية والاتصال “.

أما المساحة الكلية للمركز فقدرت بـ (21) هكتارًا منها (18) هكتارًا خصص لإنتاج الأعلاف وإجراء التجارب الزراعية بينما المساحة المتبقية كانت تضم عددًا من المباني الإدارية والفنيّة ومعامل تحتوي على أجهزة ومعدات مخبرية وحقلية، وقاعة للاجتماعات ومكتبة مركزية تقدم خدماتها للطلبة والباحثين، بالإضافة إلى حضائر كبيرة وبئرين ارتوازيين.

المركز الوطني لبحوث الثروة الحيوانية كان له حكايته الخاصة، فلقد ظل يمارس نشاطه على خجل، استطاعت كوادره أن تقود القافلة وتقاوم الإهمال والتهميش وتواصل مسيرة التنوير والعطاء إلى أن ألقت حرب 2015 بظلالها والتي استغلها عشّاق الظلام ليتسللوا إلى المركز وينهبوا مئات الحيوانات المحسّنة وكذا جميع محتوياته ليتوقف بعدها نشاط المركز حتى إشعار آخر.

  • الوزير السقطري قائد التنمية الزراعية في بلادنا

أكثر ما ميّز فترة تولي وزير الزراعة والري والثروة السمكية اللواء سالم السقطري هو اهتمامه البالغ بتنمية الثروة الحيوانية كونها إحدى ركائز الأمن الغذائي لسكان بلادنا، فبعد جهد طويل وعمل مستمر فُتح الستار أخيرًا أمام استراتيجيات وطنية لصحة الحيوان ونهج لحمايتها من الأمراض المشتركة العابرة للحدود، وكذا مشاريع قومية لتنمية هذه الثروة وتحقيق الاكتفاء الذاتي منها.


إنشاء وتحديث البنية التحتية للثروة الحيوانية هي إحدى النجاحات المشرّفة التي تُحسب للوزير السقطري، كان وضع حجر الأساس لمشروع تأهيل وتشغيل المركز الوطني لبحوث الثروة الحيوانية وكذا قسم الطب البيطري بلحج والمختبر البيطري المركزي بعدن وافتتاح عيادات ومحاجر بيطرية في المحافظات ومنافذ الدولة وتنفيذ حملات التحصين لمواشي المزارعين هي باكورة لجهد طويل سيمنح الأمل لثروة بلادنا أن تُعطي خيرها لسكان الوطن على أمتداد خارطة البلاد.

Exit mobile version