الوحدة التي أكلت أبناءها: تأملات في نكبة 22 مايو

الناشط الحقوقي أسعد أبو الخطاب

ما أشبه الوحدة اليمنية بطائر الفينيق الذي وُلد محترقًا ولم يُبعث. في 22 مايو 1990م، توهّمنا أن التاريخ قد صافح الجغرافيا، وأن الشعوب حين تصفق، تتحقق المعجزات.
لم نكن نعلم آنذاك أن تصفيقنا كان تمهيد للحتلال، وأن ما كنا نحتفي به لم يكن ميلادًا بل جنازة مؤجلة.

الوحدة، في أصلها الفلسفي، عقد بين إرادتين حرتين، لا وصاية فيهما ولا ابتلاع.. ولكننا وقعنا على ورقة لم نكتبها، وسلمنا مفاتيح الجنوب تحت وطأة الإيمان بوهم قومي تبين لاحقًا أنه دين زائف لكهنوت الجمهورية الثالثة.. من يؤمن بالوحدة اليوم إما غافل، أو مستفيد، أو جلاد لا يشبع.

الحزن؟

نعم، نحزن.. لا لأن الوحدة اليمنية فشلت، بل لأننا صدقناها.. ولأننا سمحنا باسمها أن يُهدم بيتنا حجراً حجراً، ويُشطب تاريخنا، وتُهان كرامتنا، ثم يُطلب منا أن نحتفل بالركام!

وكأن الجنوب ليس إلا جغرافيا بلا ذاكرة، وبشر بلا حق، وهوية قابلة للمحو بقلم موظف شمالي!

السخرية؟

طبعًا، كيف لا نسخر من وطن يُراد لنا أن نحبه كإله غاضب، بينما لا يمنحنا سوى الموت، والتهميش، والمقابر الجماعية؟

كيف لا نسخر من “الوحدة أو الموت”، وقد نلنا الموت ولم نرَ الوحدة؟

هل الوحدة خطاب عسكري يُملى علينا، أم عقد اجتماعي نختاره بحرية؟

نعم، انتهت الوحدة اليمنية. انتهت يوم وُئدت في حرب 1994م، ويوم تحولت إلى أداة للنهب، ويوم اختُزل الجنوب إلى بئر نفط، لا إلى شعب.. من يتحدث عن إحيائها الآن يشبه من يحاول النفخ في جثة متحللة، ويطالبنا بلبس الأبيض على مأتم مفتوح منذ عقود.

فلسفياً، لا خلود لفكرة تقوم على الإكراه.. والوحدة اليمنية التي لا تقبل النقد، ليست وحدة، بل صنم.. واليوم، بعد كل هذه الدماء، لا نملك ترف الحنين، ولا فخّ الشعارات.. نملك فقط وعياً مُرّاً يقول: لا عودة إلى القيد، لا مصافحة مع السكين، ولا وحدة مع من يرى الجنوب هامشًا على أطراف سلطته.

في ذكرى 22 مايو، نكتب لا لنحتفل، بل لنحزن بعقل، ونغضب بكرامة، ونسخر من أنفسنا أولًا لأننا صدقنا، ثم من الآخرين لأنهم لا يزالون يحاولون بيعنا الكذبة ذاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Exit mobile version
Enable Notifications OK No thanks