




روكب اليوم
ساهم الحجاج الأوروبيون في تعريف سكان القدس مبكرا بالكتب المطبوعة، حيث كانوا يحملون معهم كتبا طُبعت بلغاتهم وباللغة العربية أيضا، ومن بين أوائل المطبوعات التي دخلت القدس واستقرت في مكتبة دار إسعاف النشاشيبي كتاب (The Turkish History) المطبوع في لندن عام 1701 الذي يضم تاريخا وتراجم مصورة للخلفاء العثمانيين حتى ذلك العام.
أما تاريخ الطباعة في القدس فيعود إلى عام 1830 عندما أسس نسيم باق اليهودي أول مطبعة، واقتصرت حينها على طباعة الكتب الدينية، ثم المطبعة التي أسسها الأرمن داخل دير الأرمن في البلدة القديمة عام 1833، حيث امتازوا بذكائهم الحرفي والصناعي.
تلا ذلك تأسيس العديد من المطابع في القدس، حيث بلغ عددها 15 مطبعة على الأقل في العهد العثماني، وفقاً لما أورده كُتيّب “تاريخ الطباعة في القدس” الصادر عام 2017 عن قسم الأبحاث في مؤسسة دار الطفل العربي بالقدس.
وتعدُّ مطبعة دير الرهبان الفرنسيسكانيين من أهم وأشهر مطابع القدس، وتأسست عام 1846 شمال غرب حارة النصارى على يد الراهب النمساوي سباستيان فروتخنر بتشجيع من الإمبراطور جوزيف الأول، واستوردت معدات المطبعة كافة من النمسا آنذاك.
وفي هذه المطبعة طُبع أول كتاب عربي صدر في القدس وهو “التعليم المسيحي Catechismo” للكردينال بلارينو عام 1847.
وبعد فترة من العمل تبين أن الحروف المستوردة من النمسا غير مناسبة، فاستورِدت أحرف عربية بمقاسات متنوعة لجميع الحروف من المطبعة الكاثوليكية في بيروت، وتطور العمل حتى أصبح القائمون على المطبعة يسكبون الحروف لمطبعتهم ومطابع أخرى في فلسطين، وضمت هذه المطبعة أيضا قسما للتجليد كان مزوّدا بآلات حديثة.
ومن بين أقدم المطابع أيضا مطبعة أسستها مؤسسة تبشيرية إنجليزية عام 1848، وأُطلق عليها اسم “مطبعة لندن”، واهتمت بطباعة الكتب الدينية وخاصة الإنجيل، إضافة إلى عدد من الإعلانات الدينية بهدف تنصير اليهود الفلسطينيين.
وما بين عامي 1849 و1909 تأسست الكثير من المطابع في القدس إبّان الحكم العثماني، ومنها مطبعة “الأرض المقدسة” و”هرشنزون” و”مبارك لاسفو” و”دومياني” و”جورجي حبيب حنانيا” و”إسحاق ليفي” ومطبعة “الحكومة في السراي القديمة” و”دار الأيتام السورية” و”بيت المقدس”، بالإضافة إلى “المطبعة الإنجليزية” و”المطبعة الوطنية”.
أول مطبعة عربية في القدس
وتعتبر “حنانيا” أول مطبعة عربية في القدس، وتعود لجورجي حبيب حنانيا، مؤسس فن الطباعة والصحافة الفلسطينية، وبدأت عملها عام 1894، وطُبعت فيها كتب ومجلات عدة بحروف عربية وروسية وفرنسية، من بينها مجلة “الأصمعي” التي تأسست عام 1908، وأسس حنانيا أيضا “مطبعة جريدة القدس” في سويقة علّون بالبلدة القديمة عام 1908 وفقا لكُتيّب “تاريخ الطباعة في القدس”.
وإبّان الاحتلال البريطاني لفلسطين أُنشئت 11 مطبعة أخرى على الأقل، واستمر العمل بأكثرها خلال العهد الأردني، ومنها مطبعة “جريدة مرآة الشرق” و”دار الأيتام الإسلامية” و”السلام” التي طبعت صحيفة اتحاد العمال في القدس منذ تأسيسها عام 1925.
ويضاف إلى هذه المطابع كل من مطبعة “الإعلان” التي طبعت صحيفة “المعاد” منذ تأسيسها عام 1928، ومطبعة “دير مرقص للسريان الأرثوذكس” التي تأسست عام 1929 وطبعت مجلة البطريركية السريانية، ومطبعة “الحياة”، و”العرب”، و”المطبعة العصرية”، و”مطبعة الوحدة العربية”، و”مطبعة اللواء”، و”المطبعة الاقتصادية”، ومطبعة “حكومة الاحتلال البريطاني” التي تأسست شرقي محطة القطار على طريق بيت لحم وطبعت مختلف إصدارات الحكومة.
ومن الجدير ذكره أنه تم استخدام الزنكوغراف (حفر الكلاشيهات على قطع من الزنك) في القدس في أوائل فترة الحكم البريطاني، وتم تأسيس أول معمل زنكوغراف في فلسطين عام 1921 على يد عبد الحميد الفتياني.
ولعبت طباعة الكتب بشكل عام، والمجلات والصحف لاحقا دورا بارزا في تنمية الثقافات الدينية والاجتماعية والسياسية والأدبية لدى أهالي القدس، كما أنها ساهمت في سرعة انتشار مختلف المعلومات بين كافة شرائح المجتمع، إلا أن هذا الدور تراجع بشكل كبير مع ظهور الصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.