روكب اليوم
2025-08-22 03:38:00
الأسهم الأميركية
في أربع جلسات فقط، اهتزت أسواق المال العالمية على وقع خسائر غير مسبوقة في أسهم شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. أكثر من تريليون دولار تبخر من القيمة السوقية، لتتجه مؤشرات وول ستريت نحو أسوأ أداء أسبوعي لها منذ خمسة أشهر.
الصدمة لم تكن في حجم الخسارة فقط، بل في سرعة الانهيار. شركات بحجم إنفيديا، مايكروسوفت وبلانتير خسرت مئات المليارات خلال جلسات معدودة، ما فتح الباب واسعاً أمام المقارنات التاريخية مع فقاعة الإنترنت مطلع الألفية.
نزيف الأرقام: خسائر بمقاييس تاريخية
- 200 مليار دولار اختفت من قيمة إنفيديا في ثلاث جلسات فقط،
- 102 مليار دولار تبخرت من أسهم مايكروسوفت منذ بداية الأسبوع، لتفقد أحد أهم أعمدة وول ستريت بريقها.
- بلانتير بدورها خسرت 50 مليار دولار في ثلاث جلسات
إجمالاً، بلغت خسائر أكبر تسع شركات تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي أكثر من 600 مليار دولار، وهو ما يعكس هشاشة التقييمات السوقية أمام أي تصحيح حاد أو موجة بيع جماعي.
رسوم ترامب زلزال يهز الاقتصاد العالمي
تقييمات متضخمة وعوائد متواضعة
اللافت أن هذه الخسائر جاءت في وقت يتزايد فيه الحديث عن التقييمات المبالغ فيها لأسهم شركات الذكاء الاصطناعي. فرغم الإنفاق الرأسمالي الضخم على تطوير النماذج والبنية التحتية، فإن العوائد المالية ما زالت أقل بكثير من حجم الرهانات.
مستثمرون كبار بدأوا يتساءلون إن كانت الأسواق تسير نحو نسخة جديدة من “فقاعة الإنترنت”، حين انفجرت التوقعات المفرطة عن التكنولوجيا في 2000، وأغرقت الأسواق في خسائر لسنوات.
ترامب والفيدرالي… السياسة في قلب العاصفة
تزامن هذا الطوفان المالي مع توتر سياسي إضافي في واشنطن. الرئيس دونالد ترامب طالب باستقالة عضوة مجلس الاحتياطي الفيدرالي ليزا كوك، متهماً إياها بارتكاب جرائم جنائية تتعلق بتزوير وثائق مصرفية وسجلات عقارية للحصول على قروض بشروط أفضل.
هذا الهجوم غير المسبوق فتح باب القلق حول استقلالية السياسة النقدية، خصوصاً مع اقتراب اجتماع الفيدرالي في سبتمبر. الأسواق تخشى أن تتحول المؤسسة الأكثر تأثيراً في الاقتصاد الأميركي إلى ساحة تجاذبات سياسية، في لحظة دقيقة تحتاج فيها الأسواق إلى رسائل تهدئة لا إلى معارك علنية.
جاكسون هول: كلمة باول المرتقبة
كل الأنظار تتجه نحو مؤتمر جاكسون هول، حيث من المقرر أن يلقي رئيس الفيدرالي جيروم باول خطاباً حاسماً. المستثمرون يبحثون عن أي إشارة بشأن مسار الفائدة، بعد أن ارتفعت توقعات الأسواق إلى 80 بالمئة بأن الفيدرالي قد يخفض الفائدة بواقع 25 نقطة أساس في اجتماعه المقبل.
لكن الغموض لا يزال سيد الموقف. محللون يتوقعون أن يترك باول الباب مفتوحاً، مفضلاً سياسة “الانتظار والترقب” بدل الالتزام الصريح بخفض وشيك. هذا الغموض، إذا تحقق، قد يكون مخيّباً للآمال، ويدفع الأسواق لمزيد من التقلبات.
مايكل براون: “الأسواق تأخذ استراحة“
في خضم هذه التراجعات، حاول بعض الخبراء التخفيف من حدة القلق. مايكل براون، كبير استراتيجيي الأبحاث في شركة بيبرستون، قال خلال حديثه إلى برنامج بزنس مع لبنى على سكاي نيوز عربية: “أعتقد أن الأسواق في الوقت الحالي تأخذ استراحة. لقد مر وقت طويل منذ أن شهدنا قاعاً في أبريل. أكبر شركات التكنولوجيا كانت تقود معظم الارتفاعات، ومن الطبيعي أن نرى المستثمرين يسحبون أنفسهم لإعادة تقييم الأمور.”
لا يرى براون أن ما يحدث انهيار مستدام، بل “انسحاب مؤقت” يتيح فرص شراء. ويضيف: “أتوقع أن تُظهر إنفيديا نتائج قوية الأسبوع المقبل، وهو ما سينعكس إيجابياً على أسهم التكنولوجيا. هذه الفترة من الضعف تمثل فرصة، وليست بداية سقوط طويل.”
براون: الفائدة ونتائج إنفيديا ترسم مسار وول ستريت
الرسوم الجمركية والهاجس التضخمي
الحديث عن الرسوم الجمركية عاد ليطفو فوق السطح، خاصة بعد أنباء عن نية الإدارة فرض رسوم بين 10 و15بالمئة. براون يرى أن الأسواق تتعامل بارتياح مع هذه النسب، لكن الخطر يكمن في تأثيرها على التضخم:
“المخاطر الحقيقية ليست في الرسوم الجمركية بحد ذاتها، بل في آثارها على معدلات التضخم. إذا دفعت الأسعار للارتفاع، سنواجه تباطؤاً في النمو.”
هذا التوازن الهش بين السياسة التجارية والسياسة النقدية يضيف طبقة جديدة من عدم اليقين، تزيد من هشاشة الأسواق أمام أي مفاجآت.
الفيدرالي بين المطرقة والسندان
براون لفت إلى أن الفيدرالي لا يزال حذراً، ويركز على المخاطر الصعودية للتضخم أكثر من أي مخاطر في سوق العمل، قائلاً: “طالما أن سوق العمل صامد، فلن يتسرع الفيدرالي في خفض الفائدة. من المرجح أن يبقى متوقفاً حتى ديسمبر، ما لم تظهر بيانات جديدة تغيّر الحسابات.”
المعضلة هنا واضحة: الفيدرالي مطالب بدعم الأسواق المترنحة، لكنه في الوقت نفسه لا يريد إشعال التضخم مجدداً. أي خطوة خاطئة قد تثير موجة ذعر، أو تدفع الدولار للهبوط والمعادن للصعود، كما يحذر خبراء آخرون.
استقلالية الفيدرالي تحت المجهر
التوتر بين ترامب والفيدرالي يطرح سؤالاً أعمق: هل ما زال البنك المركزي مستقلاً؟ براون لم يُخفِ قلقه:
“الخطر الأكبر أن يتحول الفيدرالي إلى امتداد لرغبات الرئيس. هذا يقوض ثقة الأسواق ويثير مخاوف طويلة الأمد حول التضخم واستقرار الدولار.”
في عالم المال، الثقة هي رأس المال الأول. وأي اهتزاز في صورة الفيدرالي كجهة مستقلة قد يكون له أثر أخطر من الخسائر اليومية في البورصة.
الذكاء الاصطناعي: ثورة أم فقاعة؟
الخسائر الأخيرة تطرح سؤالاً مصيرياً: هل الذكاء الاصطناعي مجرد موجة عابرة، أم ثورة اقتصادية حقيقية؟
التاريخ يذكرنا بأن فقاعة الإنترنت لم تمنع بزوغ عمالقة مثل أمازون وغوغل. الفقاعة انفجرت، لكن التكنولوجيا واصلت تقدمها. قد يكون المشهد الحالي شبيهاً: تصحيح قاسٍ للتقييمات، دون أن يعني نهاية الحلم.
إنفيديا تحديداً تبقى في قلب الرهان. نتائجها القادمة قد تحدد ما إذا كان السوق سيستعيد الثقة، أم يواصل النزيف.
السيناريوهات المحتملة
- تصحيح قصير يعقبه صعود جديد: إذا جاءت نتائج إنفيديا قوية ونجح باول في تهدئة الأسواق، قد ينظر المستثمرون للتراجع كفرصة شراء.
- تصاعد القلق وتحول التصحيح إلى هبوط ممتد: في حال خيّب باول التوقعات أو أظهرت نتائج الشركات فجوة كبيرة بين الإنفاق والعوائد، قد تنفجر “الفقاعة” بالفعل.
- مرحلة ضبابية طويلة: وهي الأكثر ترجيحاً بحسب بعض المحللين، حيث تتأرجح الأسواق بين صعود وهبوط، بانتظار وضوح مسار السياسة النقدية والعوائد الحقيقية للذكاء الاصطناعي.
بين الطموح والمخاطر
ما يحدث اليوم ليس مجرد تقلب مالي عابر، بل اختبار لمرحلة جديدة في تاريخ الاقتصاد الرقمي. الذكاء الاصطناعي يحمل وعوداً هائلة، لكنه في الوقت نفسه يكشف هشاشة الأسواق أمام التوقعات المبالغ فيها.
التريليون دولار الذي تبخر في أيام هو جرس إنذار، لكنه ليس بالضرورة إعلان وفاة للثورة التكنولوجية. بين خطاب باول المرتقب ونتائج إنفيديا المنتظرة، ستحدد الأيام المقبلة إن كان ما نراه مجرد عاصفة صيفية، أم بداية انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي.
قنبلة يلقي بها ترامب في الاقتصاد العالمي