تعز تختنق بالعطش مدينة تُركت لتُركع

ناصر العامري

في جنوب غرب اليمن حيث تتقاطع الجغرافيا مع التاريخ تقف مدينة تعز اليوم على حافة الانهيار الإنساني مدينة كانت تُعرف بثقافتها وحراكها المدني باتت اليوم نموذجآ صارخآ للخذلان الرسمي تعاني من أزمة مياه خانقة وسط غياب شبه تام للسلطة المحلية، وانعدام الخدمات الأساسية

لم يعد الحصول على الماء في تعز مسألة خدمية بل تحول إلى صراع يومي يخوضه السكان بكل ما تبقى لديهم من طاقة. طوابير طويلة تمتد أمام خزانات السبيل أطفال يحملون الجالونات ونساء يتنقلن بين الأحياء بحثآ عن نقطة ماء أما صهاريج المياه فقد أصبحت سلعة نادرة تُباع بأسعار باهظة تفوق قدرة معظم الأسر في ظل غياب أي تدخل حكومي لضبط السوق أو توفير البدائل

المدينة التي كانت يومآ منارة للعلم والحياة تُركت لتواجه العطش وحدها دون شبكة مياه مركزية أو مشاريع طوارئ، أو حتى خطة إنقاذ واضحة كل ما يُقدم لا يتعدى وعودآ مؤجلة بينما الأزمة تتفاقم يومآ بعد آخر

السلطة المحلية في تعز تبدو غائبة عن المشهد أو عاجزة عن الفعل. لا رقابة لا تنظيم، لا تدخل حقيقي. المواطنون يتساءلون: أين المحافظ؟ أين الحكومة؟ أين الدولة؟ تصريحات متفرقة تصدر بين الحين والآخر لكنها لا تتجاوز حدود التبرير أو الإقرار بالعجز

محافظ تعز نبيل شمسان أشار في وقت سابق إلى أن المدينة تعاني من شح المياه نتيجة تأخر الأمطار واستمرار سيطرة الحوثيين على مصادر المياه لكن هذه التصريحات لم تُترجم إلى إجراءات ملموسة ما جعل الشارع يفقد الثقة في أي وعود رسمية

في مواجهة هذا الصمت بدأ صوت تعز يرتفع مظاهرات شعبية خرجت في أحياء الجحملية والمظفر ووادي القاضي مطالبة بتوفير المياه ومحاسبة المسؤولين. وعلى منصات التواصل أطلق ناشطون حملات إلكترونية تحت وسمي (#تعزتشتيماء) و(#تعزبدونماء) في محاولة لإيصال صوت المدينة إلى من يملك القرار

لكن، رغم كل هذه الصرخات لا تزال تعز تُركع ليس فقط بالعطش، بل بالإهمال بالتجاهل وبالخذلان المتكرر من الجهات التي يُفترض أن تحميها وتخدمها

ورغم كل شيء تعز لا تنكسر أهلها يقاومون العطش بالإرادة ويواجهون الإهمال بالكرامة ويصرون على البقاء، رغم كل محاولات الإذلال تعز ليست مدينة تبحث عن الماء فقط، بل عن العدالة، عن الإنصاف عن الاعتراف بأنها مدينة تستحق الحياة

في النهاية تعز لا تطلب المستحيل هي تطلب فقط ما هو حق لها ماء كهرباء خدمات ووجود دولة تحميها من أن تُركع أكثر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Enable Notifications OK No thanks