
وتعاني المدينة الواقعة تحت سلطة الحكومة المعترف بها دوليا أزمة غير مسبوقة في المياه أدت إلى ارتفاع أسعارها أكثر من مائة في المئة، وسط شكاوى واحتجاجات من قبل السكان المطالبين بحل هذه الأزمة الكبيرة.
ومؤخرا، خرجت أكثر من مظاهرة في مدينة تعز، احتجاجا على شح المياه وارتفاع أسعارها، فيما استمر الجفاف جراء ندرة الأمطار هذا الموسم.
وكانت السلطة المحلية قد عقدت العديد من الاجتماعات لبحث سبل حل أزمة المياه، وتمت مؤخرا إقالة المدير العام لمؤسسة المياه الحكومية في تعز سمير عبدالواحد وتكليف آخر بديلا منه، دون بوادر تنبئ عن قرب انتهاء الأزمة.
وقبل أيام، انعقد آخر اجتماع للسلطة المحلية ناقش أزمة المياه المستمرة والإجراءات اللازمة للتخفيف منها والسبل الكفيلة بتحسين أداء المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في المحافظة.
وخلال اللقاء، شدد محافظ تعز نبيل شمسان على أن قضية المياه تمثل أولوية قصوى للسلطة المحلية.
وأوضح في بيان أن “التنسيق جار مع المنظمات الدولية لإصلاح الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، وحفر آبار جديدة لتعويض الحقول الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، بالإضافة إلى إصلاح الشبكة الداخلية وخطوط النقل وكذلك مشاريع تتعلق بمياه الريف.”
وتحدث بأنه “تم بحث هذه التحديات مع الحكومة، بهدف تسهيل تدخلات داعمة لتجاوز الأزمة، ورفع قدرات المحافظة لإيصال المياه إلى المواطنين، وإجراء تغييرات إدارية داخل مؤسسة المياه، ومنح الإدارة الجديدة كافة الصلاحيات.”
ونتيجة هذه الأزمة الكبيرة في المياه، باتت معظم الأسر اليمنية في تعز تملك قصة حية تحكي واقعا مأساويا في بلد يعاني واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم.
وتواجه أم عمر، وهي ربة منزل في تعز، تحديات كبيرة بسبب أزمة المياه، وتشير إلى تأثيراتها العميقة التي تتجاوز الجانب المادي لتطال الصحة النفسية أيضًا.
وتوضح أم عمر أن “القلق أصبح يسيطر علينا بشكل كبير إذا ما حدث أدنى إسراف من أطفالنا.”
وتابعت “هذا الوضع يدفع ربات البيوت إلى ترشيد استهلاك الماء المتوفر لديهن، ما يضاعف جهودهن في أعمال التنظيف.”
وتضيف أن العديد من ربات البيوت تخلين عن استخدام الغسالات الكهربائية، مفضلات الغسيل اليدوي، لما له من دور في توفير المياه.
وتشدد أم عمر على أن “شح المياه أوصل الكثير منا إلى مرحلة القلق المستمر والحذر الشديد في الاستخدام،” لافتةً إلى أن هذه الأزمة أدت إلى تفاقم المشكلات داخل الأسر، وأثّرت على العلاقات الاجتماعية بين الأزواج وبين الآباء والأبناء.
وتضيف أم عمر بأمنية “نتمنى أن تحل أزمة المياه – على الأقل – أن نشعر بالأمن المائي بعدما فقدنا الأمن الغذائي”.
وبحسب تقرير سابق لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) فإن اليمن يعد أحد أكثر البلدان التي تعاني من شح المياه على مستوى العالم، حيث يؤدي استخراج المياه الجوفية دون قيود للأغراض الزراعية والاقتصادية وموجات الجفاف المتكررة إلى زيادة استنزاف منسوب المياه ونقصها في جميع أنحاء البلد.
وسبق أن أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن 95 في المئة من اليمنيين يعتمدون على صهاريج المياه (ناقلات متوسطة تجلب الماء من الآبار) للحصول على مياه الشرب.
المواطن وثيق العامري يشكو من أن أزمة المياه أثرت كثيرا على استمرار الحياة في المدينة المكتظة بالسكان. وأضاف، أن الحصول على المياه في مدينة تعز لا يتحقق إلا بشق الأنفس.
وتابع “نعاني كثيرا في التواصل مع أصحاب الصهاريج من أجل توفير كمية من المياه، فالعديد منهم لا يتجاوبون معنا وبعضهم يطلب منا الانتظار لغاية أسبوع أو أكثر لتوفير 2000 لتر نتيجة كثرة الطلب وقلة المعروض.”
وتحدث العامري أنه نتيجة استمرار أزمة المياه في تعز اضطر مؤخرا إلى الذهاب مع أسرته إلى قريته في ريف المحافظة حتى تحدث انفراجة في الأزمة.
ولم تشهد تعز مثل هذه الأزمة منذ عقود، كما لم تعانِ محافظة أخرى مثل هذه المعاناة التي تجرع ويلاتها عدد كبير من السكان.
وفي السياق ذاته، يقول الناشط المجتمعي هشام السمان إن مدينة تعز لم يسبق أن شهدت أزمة مياه خانقة بهذا الحجم الكارثي منذ قيام الجمهورية إلى الآن.
وأضاف أن السبب في ذلك يعود إلى سوء الإدارة، إضافة إلى سيطرة بعض القطاعات الخاصة على آبار المياه، واحتكار بيعها لصالح أصحاب صهاريج النقل، بتواطؤ من المؤسسة العامة للمياه وغيرها من الجهات. وتابع “هذا الأمر دفع بالمواطنين إلى التنقل بين أحياء المدينة وقطع مسافات كبيرة بحثاً عن المياه، سواء للاستخدام اليومي أو للشرب.”
وأشار إلى أن السلطة المحلية ومؤسسة المياه بدأتا مؤخراً باتخاذ خطوات لحل الأزمة، إلا أن الجهود ما زالت محدودة جداً، ولم تستفد منها إلا مناطق معدودة، بينما لا زالت مناطق أخرى محرومة من المياه منذ اندلاع الحرب.
ونبه إلى أن الحلول التي تقدمها مؤسسة المياه والسلطة المحلية لا تزال سطحية، فيما تزداد أزمة المياه في تعز تعقيداً، لتلقي بظلالها الثقيلة على حياة المواطنين.
ولفت إلى أن تحركات السلطة المحلية تقتصر على عقد الاجتماعات وإصدار القرارات، من دون أيّ تنفيذ فعلي أو حلول جذرية تنعكس على أرض الواقع، ما يُبقي الأزمة على حالها.
وحول الحلول يشدد السمان على أهمية تغيير الإدارة الحالية بمسؤولين من خارج المؤسسة، يعملون بصدق لصالح المواطن؛ لأن جوهر الأزمة يكمن في سوء الإدارة، رغم توفر المياه في الآبار.
وبين أن وجود إدارة كفؤة سيساهم في كسر الأزمة وضخ المياه إلى المنازل، خصوصاً أن المؤسسة قد تلقت دعماً كبيراً من المنظمات، لكنه لم يُترجم إلى إصلاح فعلي لشبكة المياه أو تحسين مستوى الخدمة.