خبير عسكري: عملية الكهف تكشف بدء الاحتلال هندسة الضفة ديمغرافيا |



روكب اليوم

قال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد المتقاعد نضال أبو زيد إن عملية اغتيال 3 فلسطينيين قرب قرية كفر كود شمال غربي جنين، تكشف أن إسرائيل بدأت مرحلة جديدة من سياساتها في الضفة الغربية، تقوم على ما سماه “هندسة الديمغرافيا” بعد أن أنهت هندسة الجغرافيا بضم مناطق واسعة لصالح المستوطنات.

وأوضح أبو زيد أن ما يُعرف إعلاميا بـ”عملية الكهف” لا يمكن قراءتها بمعزل عن الإستراتيجية الإسرائيلية الأوسع تجاه شمال الضفة الغربية، معتبرا أن الاحتلال يسعى إلى تفريغ مناطق جنين وطولكرم وطوباس من سكانها عبر الضغط العسكري الممنهج والعمليات النوعية التي تستهدف البنية الصلبة للمقاومة الفلسطينية هناك.

وأشار إلى أن حجم القوة المستخدمة في العملية يكشف طبيعتها، إذ شاركت فيها وحدات نخبوية من الشرطة الإسرائيلية مثل “اليمام” و”اليماس” و”اليمار” و”مانيلا”، وهي ليست وحدات تتبع للجيش بل للشرطة، مما يدل على أن الاحتلال يتعامل مع الضفة الغربية كبيئة مدنية يُراد إعادة هندستها أمنيا وديمغرافيا.

وتأتي تصريحات أبو زيد بعد ساعات من إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي اغتيال 3 فلسطينيين قال إنهم “مسلحون” في أثناء محاولتهم تنفيذ هجوم قرب جنين، في عملية نُفذت بتوجيه من جهاز “الشاباك”.

وقالت القناة 12 الإسرائيلية إن قناصة وحدة اليمام اشتبكوا مع المقاومين داخل كهف قبل أن يُهاجم المكان جوا لتدمير ما وُصف بالبنية التحتية للمسلحين.

عمليات الانتقاء

ورأى أبو زيد أن هذا الاستخدام المكثف للوحدات الخاصة والغطاء الجوي يعكس ما يسميه العسكريون بـ”عمليات الانتقاء”، وهي عمليات محددة الهدف تهدف إلى استئصال مجموعات مقاومة بعينها لخلق فراغ أمني يمكّن الاحتلال من بسط السيطرة الميدانية دون انخراط واسع في مواجهات طويلة.

وأضاف أن اختيار شمال الضفة الغربية مسرحا لهذه العمليات ليس اعتباطيا، فهذه المنطقة تضم 3 بؤر رئيسية للمقاومة المسلحة: مخيم جنين ومخيم نور شمس بطولكرم ومخيم الفارعة في طوباس.

ويرى أن الاحتلال يسعى عبر الضغط العسكري هناك إلى إرغام السكان على النزوح، بما يضمن فصل المثلث الشمالي عن امتداده الجغرافي الطبيعي في باقي الضفة.

وفي السياق ذاته، ذكر أبو زيد أن التحليل العسكري الإسرائيلي يُظهر أن الضفة الغربية باتت تتصدر ما يُعرف في لغة الجيوش بـ”أولوية النيران”، أي أنها أصبحت ساحة العمليات الأولى من حيث التهديد والمخاطر.

ووفق رؤيته، فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الثلاثة، الجيش والشرطة و”الشاباك”، تعمل بتنسيق متكامل لإعادة تشكيل البيئة الأمنية في الضفة بما يهيئ لمشروع تهويدي طويل الأمد.

وتزامنت العملية مع تصاعد الحملات الإسرائيلية في مختلف مناطق الضفة، إذ أفاد مراسل الجزيرة باعتقال 10 فلسطينيين خلال مداهمات فجر اليوم، بينما تواصل قوات الاحتلال فرض طوق أمني مشدد حول جنين بعد ساعات من القصف الجوي الذي استهدف أطراف المدينة.

تثبيت وقائع ميدانية

ويرى أبو زيد أن هذه العمليات لا يمكن فصلها عن المسار الاستيطاني المتسارع، مشيرا إلى أن الاحتلال أنشأ منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 نحو 30 منطقة عازلة حول المستوطنات في الضفة الغربية، في خطوة تهدف إلى تثبيت وقائع ميدانية جديدة تمهد لهندسة ديمغرافية شاملة.

ويضيف أن إصدار سلطات الاحتلال 5 أوامر عسكرية جديدة بالاستيلاء على أراضٍ في رام الله والبيرة، يندرج في السياق ذاته، إذ تُستخدم هذه الأوامر كغطاء قانوني لتمدد استيطاني متواصل يرافقه تفريغ تدريجي للمناطق الفلسطينية الحيوية من سكانها الأصليين.

وبشأن خيارات المقاومة الفلسطينية، يرى أبو زيد أن قدرات فصائل المقاومة في الضفة تختلف عن نظيرتها في قطاع غزة من حيث العدة والتنظيم، لكنها قد تلجأ إلى تكتيكات نوعية صغيرة ومتفرقة في مواجهة الضغط الإسرائيلي المكثف، مع محاولة الحفاظ على وجودها الشعبي في المخيمات.

ويرجح أن تشهد الأيام المقبلة تحركات مقاومة محدودة في مناطق طوباس وطولكرم وجنين، بوصفها ردودا تكتيكية تهدف إلى إرباك الاحتلال أكثر من تحقيق مكاسب ميدانية واسعة، مشيرا إلى أن هذا النمط من الصراع يعكس انتقال الضفة إلى مرحلة أمنية جديدة عنوانها “الاشتباك المستمر منخفض الوتيرة”.

وأكد الخبير العسكري أن ما يجري شمال الضفة الغربية ليس مجرد عملية أمنية معزولة، بل جزء من مشروع أوسع يهدف إلى إعادة رسم الخريطة السكانية الفلسطينية على نحو يخدم الأطماع الإسرائيلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Enable Notifications OK No thanks