
قيل إنَّ ريمة تَعني باللغة الحميرية السلالم التي تُؤدي إلى المُرتفعات، وإنْ صَحت تلك التسمية، فهي بالفعل أسمٌ على مُسمى، على اعتبار أنَّها – أي ريمة – سلالم المجد التي صَعدت بأهلها إلى الأعالي، وزادتهم سموًا فوق سموهم، ورفعةً فوق رفعتهم، وجعلتهم يُحدقون من على قممها المتساوية في المدى الرحب، ويَرقبون كل غازٍ ومُحتل، ويُهيئون أنفسهم للانقضاض عليه، وتجريعه كأس المنون.
بين أيدينا انتفاضة مَنسية، جَغرفتها جبال ريمة الشاهقة، وحصونها المنيعة، وأوديتها الضيقة، ورسم فصولها أبطالها المسكونون بأوجاعها، التواقون للحظة الخلاص. كانوا – أي أولئك الأبطال – وما يزالون مُكافحين بطبعهم، صَابرين بسجيتهم، مُقاومين بنزعتهم، تصدوا في مطلع عشرينيات القرن الفائت لأعتى قوة إمامية مُتفيدة، مَسلوبة الإحساس، فاقدة الشعور، لم ترَ في ريمة – أو ريمة الأشابط كما هي تسميتها التاريخية – إلا ذلك القضاء المدرار، الذي يُدر عليها الكثير من الأموال، وفاتها أنَّ نَار الصبر الخافتة قد تتحول فجأة إلى بُركان، وأنَّ الصبر مهما طال لا بُد أنْ يكون له حدود.
علاقة سيئة
علاقة دولة الإمامة الزيدية بريمة سيئة للغاية، تُشبه إلى حدٍ كبير علاقة تلك الدولة الكهنوتية بقرينات تلك المنطقة المسالمة، اللاتي يقعن في وسط اليمن، وغربه، وجنوبه، صحيح أنَّ سيطرة الإمام المُتوكل يحيى شرف الدين وولده الناصر المطهر عليها استمرت لسنوات محدودة، إلا أنَّ سيطرة الدولة القاسمية استمرت لسنوات طويلة، وذلك بدءًا من العام 1036هـ / 1626م.
بعد 18 عَامًا من سيطرة الدولة القاسمية، وبسبب ارتفاع المطالب الضريبية؛ أعلنت قبائل آنس، والحداء، وعتمة، ووصاب، وريمة، تمردها، وقامت بطرد عُمال تلك الدولة منها، وتنصيب الشيخ علي بن ناصر راجح سلطانًا عليها، إلا أنَّ المُؤيد محمد بن القاسم تمكّن من إخماد تلك الانتفاضة، ونكل بالأهالي الثائرين شرَّ تنكيل.
بالتزامن مع ثورة يافع الكُبرى، امتدت ريح الثورة إلى ريمة ووصاب 1110هـ / 1698م، ثار الأهالي المُسالمون على عَاملهم الظالم ابن مغلس، فأرسل إليهم المهدي محمد بن أحمد (صاحب المواهب) بجيش قبلي كبير جُله من أبناء بكيل، تحت قيادة الشيخ صالح بن هادي حبيش، مارس الأخير في حقهم جرائم حرب شنيعة، قال عنها المُؤرخ أبو طالب: «واستأصلهم بالقتل والنهب والحريق، حتى كان الواحد منهم يقطع أُذن المرأة من أجل الخرص الذي فيها، ولقد بيع ذلك بصنعاء والآذان بها أو بواقيها».
وفي صنعاء خطب القاضي محمد بن صالح العلفي مُعترضًا على تلك الجرائم، فهمَّ صاحب المواهب بضرب عنقه، ثم أمر بحبسه، ووضع على أهالي ريمة ووصاب أدبًا من المال لا يُطاق، وولى عليهم عاملًا أشد جورًا من سَلفه.
وفي العام 1247هـ / 1832م تولى الشيخ علي بن يحيى المُنتصر عَمالة ريمة بتكليف من المهدي عبدالله بن أحمد، وكان أول عمل قام به مُفاوضة وجهاء حاشد المُتفيدين على الخروج من 46 حصنًا سبق أنْ سيطروا عليها؛ أذعن أغلبهم لشروطه، وغادروا، عدا الشيخ يحيى الشويع الذي كان مُسيطرًا على أهم الحصون، وأكثرها منعة، تم التنكيل به وبأنصاره، وأخذ ما كان تحت يديه ويد أخيه الأصغر منه لطف الله أحمد، بعد معارك ضارية يطول شرحها (توسع المُؤرخ حيدر علي ناجي العزي في نثر تفاصيلها في كتابٍ له عن ريمة)، أودع في أولها الأخ الكبير الحبس، واستسلم في آخرها الأخ الصغير.
وعن العامل المُنتصر (قائد تلك الانتفاضة) قال القاضي محمد علي الهتاري مَادحًا:
هــذا عــــلي بــن يــحــيــى علــــــــم
على العـــــدا قــاهــر لا زال ينتــــصر
يكـــفيــه مـفـــخـرة تطهـيـــر ريمتــنا
من البغــــــاة وفســـــق شـانه البـــطر
وحبـس قـائـــدهم يحـيى الشويع لهم
رأس الفســــــاد الــــذي بالبغي يشتهر
استبقى العامل علي المُنتصر الراغبين من أبناء حاشد في المكوث لديه، ليكونوا من جُملة أعوانه ومُناصريه، وأفرج عن قائدهم يحيى الشويع، وقد امتزج هؤلاء بمحيطهم الاجتماعي الجديد، وصاروا جزءًا منه، وشكلوا نسبة لا بأس بها من سكانه، سكان ريمة، أصل التعايش، ومدرسة ترويض الحياة القاسية في البحث عن الرزق الحلال.
دخلت الدولة القاسمية بوفاة المهدي عبدالله 1251هـ / 1835م مرحلة الموت السريري، فحاول في العام التالي قريبه الناصر عبدالله بن الحسن إصلاح الوضع، إلا أنَّه فشل؛ فأيقن حينها المُؤرخ المجهول (صاحب الحوليات) الذي عاش تفاصيل تلك الأحداث بـ «إدبار دولة هذا الإمام»، وأضاف: «وخالفت أطراف البلاد، واضطرب أمر ريمة ووصاب، وانقطع الرجاء والأمل من بلاد رداع».
جولة تمهيدية
إبان التواجد العثماني الثاني، كانت ريمة تابعة لـمُتصرفية الحديدة، وما أنْ غادرتها الحامية التركية تحت قيادة إسماعيل الأسود، حتى أرسل الإمام المُتوكل يحيى حميد الدين إليها بـ 1,000 مُقاتل أرحبي 18 ديسمبر 1918م، وأسند تلك القوات بمدفعين، وجعل عليها محمد بن يوسف الكبسي، والشيخ علي بن المقداد الآنسي.
ما إنْ وصلت تلك القــوات عن طــريــق بلاد آنس إلى مَشارف قـضاء ريـمة، حتى تصدى لـها بعض المُواطنين المُتحمسين، ثم ما لبث أنْ أذعن الأخيرون مُجبرين؛ خاصة بعد أنْ قام الإماميون بنهب مَواشيهم، وباقي التفاصيل أتركها للمُؤرخ الإمامي عبدالكريم مُطَّهر الذي قال: «وقابلتهم بعد ذلك جهات ريمة بالطاعة، والدخول في سلك الجماعة، وأقبلت إليهم المشايخ والرؤساء من جميع البلاد، وانتقل المقدميان إلى الجَبى، مَركز قضاء ريمة، ومن هنالك صار ضبط البلاد جميعها، كُسمة وجهاتها، والجعفرية إلى حد قبيلة الزرانيق من تهامة».
كانت ريمة من أوائل مناطق اليمن الغربية سُقوطًا في يد القوات الإمامية، بعد حراز طبعًا، تولى المقدميان (الكبسي، والآنسي) إدارتها، وما هي إلا عشرة أشهر حتى توجه وفد من أبنائها لـمُقابلة الإمام يحيى أكتوبر 1919م، وذلك بالتزامن مع انتفاضة مِلْحَان الآتي ذكرها، وقد أدت مُناشدة ذلك الوفد إلى إقالة الكبسي ورفيقه، وتعيين محمد بن علي الشامي بدلًا عنهما، فيما أسندت عمالة نواحي القضاء إلى كلٍ من: عبدالله حمود غالب على كُسمه، والشيخ علي بن المنتصر على السلفية، ومحمود النهاري على الجعفرية، وقد توجه جميعهم إلى مَقار أعمالهم، بعد أنْ تم إسنادهم بقوات محدودة، فيما توفي الأخير قبل أنْ يتولى مهامه، وحل قريبه محمد بن علي النهاري محله.
بالتزامن مع انتفاضة بُرع، التي انطلقت شرارتها مَطلع عام 1920م، واستمرت لأكثر من أربعة أشهر، ثار أبناء بلاد الطعام المجاورة، والتابعة حينها لناحية الجبين، تحت قيادة شيخ ضمانها، وشيخ عزلة ذَرْحَان أحمد عبدالله الضالع، الذي لم يَذكر المُؤرخ عبدالكريم مُطَّهر اسمه، واكتفى بالتلميح أنَّه – أي الشيخ المذكور، الذي أمدني الباحث علي محمد الغانمي باسمه، وبرواية أحد أحفاده – كان مَدعومًا من قبل حاكم صبيا محمد بن علي الإدريسي.
في نقله لتفاصيل تلك الحِقبة، قال الباحث عبدالله حسين محمد أحمد الضالع إنَّ جده شيخ ذَرْحَان، وكثير من أبناء المناطق المجاورة ساندوا ثُوار جبل بُرع في انتفاضتهم السابق الإشارة إليها، وأنَّ المُواجهات تجاوزت ذلك الجبل العتيد إلى منطقة ربوع بني خولي الواقعة في أطراف بلاد الطعام، وأنَّ تلك المنطقة وما جاورها من مناطق تحولت لخط تماس مُلتهب، وهي تفاصيل ذكرها أيضًا المُؤرخ عبدالكريم مُطهر.
نظرًا لمحدودية قواته، سارع عامل ريمة محمد الشامي بِمُراسلة الإمام يحيى، ليقوم بعد أنْ وصله المدد بتكليف الشيخ علي يحيى الشرف بالتوجه شمالًا صوب عُزلة ذَرْحَان، وأسند القوات المُهاجمة بأحد المدافع، وأفاد الباحث عبدالله حسين – حفيد شيخ ذَرْحَان – أنَّ تلك القوات تَمركزت بادئ الأمر في قرية الحضن، ثم واصلت تقدمها صوب قرية الشامة، وجبل نجمان، فيما ظل المدفع المصاحب يصلي حصن الضالع بحممه من محلة الجبجبة، والأخيرة تقع أسفل قمة جبل الزعلا التابع لعزلة بلحوت، وهي بعيدة نسبيًا ومُنخفضة عن الحصن المُستهدف، وتقع في جنوبه الغربي.
عبدالله قال إنَّ جده كان يَملك مَدفعًا صغيرًا يُسمى (المسرفة)، قذائفه لا يتجاوز حجمها حجم حبات البُرتقال، وما أنْ هَمَّ صباح اليوم التالي بتلقيمه، والضرب على محلة الجبجبة، حتى تَفاجأ بقذائف المدفع الإمامي تنهال على حصنه (حصن الضالع) من جبل نجمان المُقابل، وتحديدًا من المكان الذي بُنيت فيه مدرسة الوحدة لاحقًا؛ حيث قام الإماميون بنقل مدفعهم إلى ذلك الموقع القريب والاسترتيجي ليلًا، فيما تسببت إحدى قذائفه بهدم جانبًا من حصن الضالع.
أمام تلك الانتكاسة، قرر الشيخ أحمد عبدالله الضالع وبضغط من أنصاره الانسحاب غربًا، صوب منطقة مَرَقِّدَة القريبة من منطقة السُخنة، وحُمل إلى تلك المنطقة حملًا؛ كونه كان حينها كبيرًا في السن، وفي عقده التاسع، وهناك التقى – كما أفاد حفيده – بقادة الجيش الإدريسي، والتقى أيضًا بشيخ عزلة بني حسن الشيخ أحمد عبده الحسني، وتناسيا خلافاتهما حول منطقة الأملاح، وبمعنى أصح ثاراتهما السابقة، واستعدا لجولة أخرى – سنأتي على تناولها – كانت شبه حاسمة.
في نقله المقتضب لأحداث تلك الجولة، تحدث المُؤرخ عبدالكريم مُطَّهر عن حُدوث مُواجهات شرسة بين الجانبين، صورها بقوله: «فجرت بين الفريقين حربٌ ضروس، هاجم فيها المجاهدون الحصون، وأنزلوا بالمخالفين ريب المنون، واستولوا على البلاد، وطهروها من ذوي الفساد، وأحرقوا بعض قُراها نكاية بالأعداء، واحتووا على غنائم كثيرة.. وكانت القتلى من الفريقين غير قليلة، إلا أنَّها من الباغين أكثر».
وكان الثوار قد قاموا قبل مُغادرتهم حصن الضالع بِغمر الأشياء الثمينة التي لم يستطيعوا حملها في إحدى بِرك ذلك الحصن، وقد ظلت تلك المُقتنيات – كما أفاد الباحث عبدالله حسين – في أماكنها حتى عودتهم، صحيح أنَّ القوات الإمامية لم تنتبه لها، إلا أنَّها انتبهت في المُقابل لممتلكات المواطنين الآخرين، في ذَرْحَان نفسها، وفي بني حسن المجاورة، وبني وقيد، والمسخن، وقامت بنهبها، ونهب المواشي، وتكسير مطاحن الحبوب، وكل ما له صلة بأدوات تحضير الطعام.
وتجددت الانتفاضة
لم يَنعم العامل محمد الشامي – بعد إخماده لتلك الجولة – بالاستقرار لحظة، وما هي إلا أسابيع مَعدودة، حتى عَاود ثُوار بلاد الطعام عليه الكرة، وقاموا بتمردهم الكبير يوليو 1920م، تحت قيادة الشيخ محمد أمين أحمد، كان والده (أمين أحمد) شيخًا لمشايخ ريمة، وقائم مقام لذلك القضاء باسم الدولة العثمانية، وقد كان لنجاح أبناء بُرع في طرد القوات الإمامية من بلادهم الأثر الأكبر في تحفيزه للقيام بانتفاضته تلك.
خرج الشيخ محمد أمين متخفيًا من بلدته (الجبين)، وتوجه شمالًا صوب بلاد الطعام، واستطاع خلال فترة وجيزة – كما أفاد المُؤرخ مُطَّهر – تحشيد 3,000 مُقاتل، وقاد بهم أقوى انتفاضة ريمية في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، التي توازي بأهميتها انتفاضة الشيخ علي المُنتصر السابق ذكرها.
سيطر الثوار تحت قيادة الشيخ محمد أمين على حصن الجِمام التابع حاليًا لعزلة التالقة المستحدثة، والتابع حينها لعزلة الجِمام، وتمكنوا بعد أنْ أفنوا حاميته الإمامية من السيطرة عليه، وقد برر المُؤرخ مُطَّهر هزيمة وانتكاسة تلك الحامية بالقول: «ولكنهم لانقطاع المدد عنهم، بانقطاع الطريق، مَكثوا يدافعون إلى أنْ رزقهم الله الشهادة».
حَفز ذلك الانتصار الثوار للتقدم جنوبًا، وسيطروا خلال فترة وجيزة على قرية الشامة التابعة لعزلة ذَرْحَان، والمُطلة على أكثر من منطقة، وأجبروا حاميتها الإمامية على المُغادرة، بعد أنْ قتلوا الكثير من أفرادها، في معركة شرسة استمرت يومًا كاملًا، وكان المقدميان النقيب ناجي بن ناصر العسل، وأحمد الأكوع من جُملة القتلى، فيما لا تزال بقايا متارس تلك المعركة وغيرها ماثلة للعيان حتى اللحظة.
وفي إطار عُزلة ذَرْحَان أيضًا، شنَّ الثوار في اليوم التالي هُجومًا كاسحًا على الحامية الإمامية المتمركزة في مركز الضالع، قتلوا من أولئك العساكر من قتلوا، وجرحوا من جرحوا، وأجبروا من تبقى منهم على المُغادرة، وقد صور المُؤرخ مُطَّهر تلك المعركة بالقول: «فكان ذلك اليوم يومًا مهولًا، اشتمل على حرب عظيمة، ومعركة جسيمة، وحارب فيه المجاهدون.. إلى أنْ نفدت مؤونتهم، فخرجوا من أماكنهم، وخالطوا الأعداء طعنًا بجنابيهم، ورجمًا بالأحجار».
وما هي إلا ساعات مَعدودة حتى جاءت الأوامر لتلك القوات ولقرينتها المُتمركزة في حصن الضالع، وقرية الحضن، التي كانت تحت قيادة الشيخ علي عمر المقداد، بالانسحاب إلى الجبين؛ وذلك حتى لا يطالها الحصار، وقد كانت للقائد المقداد – قبل انسحابه – مُحاولة يتيمة لإنقاذ الموقف، تحدث عنها المُؤرخ مُطَّهر بقوله: «وقد كان الشيخ علي عمر المقداد وهو بالحصن – يقصد قرية الحضن – حين رأى اشتداد الحرب على الضالع أمدهم بعصابة، ولكنهم لم يقدروا على دفع سيول الباغين».
واستطرد المُؤرخ عبدالكريم مُطَّهر في نقل تفاصيل ذلك المشهد، وأضاف: «ومع ذلك فالزيادة والمد إليهم – يقصد إلى الثوار – في توالٍ وتتابع، وانتشر الحرب حينئذ في عموم المراتب إلى الحصن، وغيره، واشتعلت الأرض نارًا، وحاول كل فريق من المجاهدين أنْ يمد الآخر لاشتداد الحرب في كلِّ مرتب.. وقد تعذر التواصل بين المجاهدين لحيلولة الأعداء بينهم بكثرتهم، وانتثارهم بتلك الجهات».
حدثت بالقرب من حصن الضالع معركة شرسة، استمرت حتى هجم الظلام، واصطبغ الأفق بالسواد، تحدث عنها المُؤرخ مُطَّهر باقتضاب، وأضاف: «ولولا ما من الله به على المجاهدين، لكانوا فريسة للأعداء، فإنَّ الله رزقهم الثبات، ودفع عنهم بعناية ما تابعه الأعداء من الهجمات».
كانت خسارة القوات الإمامية في هذه المعركة فادحه، وهو ما أكده ذات المُؤرخ تلميحًا، حيث قال: «وفي أثنائها وجه الشيخ علي عمر المقداد همته إلى جمع جرحى المجاهدين، وشهدائهم، وتيسر له ذلك على ما في الحال من الصعوبة، ومُقابلتها بنفوس مكروبة»، وأضاف مُهونًا: «فالمقاتيل منهم – أي من الثوار – تجاوز عددهم ستين، ولم يكن شهداء المجاهدين مثل سُدس هذا العدد».
وفي رواية توضيحية لكل ما سبق، أفاد الباحث عبدالله حسين الضالع نَقلًا عن مُعمرين عاصروا تلك الأحداث، أنَّ الثوار فصلوا مُقدمة القوات الإمامية المُتمركزة في حصن جده (حصن الضالع)، عن مُؤخرتـها المُتمركزة في قرية الحضن، وأنَّ القائد علي عمر المقداد لم يستطع لشراسة الـمواجهات مُغادرة الأخيرة، وإنقاذ الموقف، واكتفى بلم شتات القوات المُنهزمة، تارة بإلقاء الأوامر المُحفزة على الصمود، وتارة بإلقاء الشتائم الرادعة عن الهروب، ليقوم بعد ذلك بتغطية القوات المنسحبة من حصن الضالع ناريًا، وما أنْ وصلت تلك القوات إليه، عبر قرى عبرحب، وزيعان، وحصورة، حتى انسحبوا جميعًا إلى عُزلة الجبين.
بينما المواجهات في حصن الضالع مُستعرة، فرَّ إلى الجبين مُقاتلو الإمامة في وصابين، وعتمة، ولم يذكر المُؤرخ مُطَّهر سبب فرارهم ذاك، وهل كان بسبب امتداد انتفاضة ريمة إلى تلك النواحي، أم أنَّ تعبيره خانه، ونسي أنْ يُوضح أنَّ مَقدمهم كان لإنقاذ أقرانهم، والاحتمال الأخير هو الأرجح.
كان انسحاب الشيخ علي عمر المقداد بقواته إلى الجبين بعد وصول تلك القوات ببضع ساعات، أعاد عامل ريمة محمد الشامي ترتيبهم جميعًا، وهو ما أوضحه المُؤرخ مُطَّهر بقوله: «ولما وصل المجاهدون في جنح الليل إلى الجَبى، كان ترتيبهم أحكم ترتيب، وتفريقهم في جهاته لعدم الثقة بأهل البلاد»!
.. يتبع