
جاءت زيارة وفد رفيع من البنك الدولي لمحطة بترومسيلة في عدن، كخطوة بالغة الأهمية، أُريد لها أن تكون إشارة عملية إلى بدء تحرك دولي فعلي لمعالجة الانهيار الذي يعانيه قطاع الكهرباء في المدينة، والذي تفاقم بشكل غير مسبوق خلال الأشهر الأخيرة.
- خارطة طريق مؤجلة
لكن يظل السؤال المركزي: من سيمول؟ فالحكومة أكدت خلال اجتماعها الاستثنائي الأخير أن تمويل هذه المشاريع يتجاوز إمكانياتها الحالية، ما يحتم الاعتماد الكامل على دعم المانحين الدوليين، وفي مقدمتهم البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية.
- محطة بترومسيلة
إلا أن الطموحات الكبيرة لهذه المحطة تصطدم بواقع مرير: غياب البنية التحتية الخاصة باستخدام الغاز، كالأنابيب وخزانات التخزين، ما اضطر الحكومة لتشغيلها بوقود النفط الخام، وهو خيار مكلف ويحتاج إلى نحو 10 آلاف برميل يوميًا لتشغيلها بكامل طاقتها، وهي كمية تقول الحكومة إنها غير قادرة على توفيرها بشكل مستمر.
هذه العقبة تضع “بترومسيلة” في دائرة التعطيل الجزئي، رغم الإمكانيات المتقدمة التي تجعلها مؤهلة للعب دور محوري في إعادة إنعاش المنظومة الكهربائية بعدن، خصوصًا إذا ما تم التحول لاحقًا إلى نظام الدورة المركبة الذي يرفع الإنتاج بنسبة 50 % دون زيادة في استهلاك الوقود.
- زيارة البنك الدولي
وقد أكد غويمبرت على أهمية المحطة كمشروع حيوي لإعادة بناء البنية التحتية للطاقة في عدن، مشيدًا بمرونة التصميم الهندسي وقدرة المحطة على التحديث والتوسع. هذه الإشادة قد تُشكل نقطة انطلاق مهمة لجذب استثمارات جديدة، خصوصًا من القطاع الخاص المحلي والدولي، وهو ما شددت عليه الحكومة خلال لقائها بالوفد في قصر المعاشيق.
إلا أن الآمال المعلقة على هذه الزيارة تبقى رهينة ما سيُترجم لاحقًا على الأرض. فعدن اليوم لا تحتاج إلى وعود أو دراسات إضافية، بقدر ما تحتاج إلى تمويل مباشر وعاجل لمشاريع الطاقة، قبل أن تنهار الخدمات بشكل تام ويتحول الوضع إلى أزمة إنسانية.
- عدن تدفع الثمن
وتعاني المدينة من اعتماد شبه كلي على وقود الديزل والنفط الخام لتشغيل المحطات، وسط شح في الإمدادات، وتقادم في بعض وحدات التوليد، وسوء في الشبكات وانعدام الصيانة. وتؤكد تقارير ميدانية أن الخسائر الناجمة عن انقطاع الكهرباء لا تتوقف عند الجانب الخدمي، بل تطال الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي، وتعزز من مشاعر السخط لدى السكان.
وبسبب العجز المالي الكبير الذي تعانيه الحكومة، بات الرهان على التمويل الدولي هو الأمل الأخير لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قطاع الكهرباء بعدن. فالمشاريع الموضوعة على الورق، وعلى رأسها “خطة الماستر بلان”، ستظل مجمدة ما لم يتم توفير الدعم المالي الكافي لتنفيذها.
وتحتاج عدن إلى موقف إقليمي ودولي واضح وصريح، يدرك أن انهيار منظومة الطاقة في هذه المدينة، التي تمثل مركز الثقل الإداري والخدمي للمناطق المحررة، ستكون له تداعيات كارثية على الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
تشكّل زيارة وفد البنك الدولي إلى عدن خطوة رمزية ذات دلالات إيجابية، لكنها لا تكفي وحدها لوقف التدهور السريع في قطاع الكهرباء. فالوضع يتطلب تحركًا عاجلًا لترجمة الخطط إلى مشاريع، وتأمين الوقود والبنية التحتية اللازمة، وتمويل الحلول المستدامة، لا المؤقتة فقط.