
- خلافا لإمكانياتها.. شبوة من أغنى المحافظات ومعظم سكانها فقراء
- فساد ونهب للموارد النفطية والعائدات لا تصل إلى الخزينة العام
- تعدد القوى جعل شبوة ساحة للصراعات وزعزع استقرارها
- مشروع مصفاة شبوة فرصة للتحول نحو التحرر الاقتصادي
تُعد محافظة شبوة، بموقعها الاستراتيجي وثرواتها النفطية والغازية الوفيرة، نقطة محورية في الصراع اليمني المستمر. ورغم إمكانياتها الاقتصادية الكبيرة، تعيش المحافظة واقعًا معقدًا يتسم بالتدهور الاقتصادي والصراعات العسكرية والسياسية، مما يؤثر بشكل مباشر على حياة السكان وتطلعاتهم نحو الاستقرار والتنمية.
يقدم هذا التقرير تحليلًا مفصلاً للوضع الراهن في شبوة، مع التركيز على الديناميكيات الاقتصادية والعسكرية، وتقييم شامل لقوة المجلس الانتقالي الجنوبي والأجنحة السياسية الأخرى التي تتنافس على النفوذ في هذه المنطقة الحيوية.
- الواقع الاقتصادي في شبوة: ثروات مهدرة ومعاناة متفاقمة
- الموارد الطبيعية والإمكانيات الاقتصادية
تتركز الثروات النفطية في شبوة في قطاعات حيوية مثل قطاع 5 وعتق وبيحان ورضوم. هذه الثروات، إذا أُديرت بشفافية وكفاءة، يمكن أن تكون قاطرة للتنمية وتحقيق الاكتفاء الذاتي للمحافظة واليمن ككل. هناك جهود قائمة لإنشاء شركة مصافي شبوة لتكرير النفط محليًا، وهي خطوة حظيت بتأييد شعبي واسع، وتُعد ضرورية لتحقيق “التحرر الاقتصادي”.
-العسل ومنتجات أخرى: آفاق التنويع الاقتصادي
بالإضافة إلى النفط، تشتهر شبوة بإنتاج عسل السدر ذو الجودة العالية، لا سيما في مديرية جردان. يمكن أن يسهم دعم هذه الصناعات التقليدية في تنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل، مما يقلل من الاعتماد الكلي على الموارد النفطية المتقلبة. كما طرح مكتب السياحة المحلي مبادرات لدعم القطاعات غير النفطية، مثل تنظيم السياحة البيئية، لتعزيز الاقتصاد المحلي.
- التحديات الاقتصادية ومعاناة السكان
رغم غنى شبوة، تشير تقارير إلى وجود فساد واسع ونهب للموارد النفطية، حيث لا تصل العائدات بالكامل إلى الخزينة العامة. هذه الممارسات تحرم المحافظة من مليارات الدولارات التي يمكن أن تساهم في تحسين الخدمات وتوفير فرص التنمية. كما أن وجود شركات خارجية تسيطر على قطاعات نفطية يزيد من هذه الشبهات ويساهم في استنزاف الثروات.
مقارنة بين الوضع الحالي والهدف المطلوب في شبوة من حيث الاستقرار والخدمات والتنمية (مقياس 0-10)
– التدهور المعيشي والتضخم
يعاني الاقتصاد اليمني بشكل عام من انكماش وتضخم مرتفع، وشبوة ليست استثناءً. أدى هذا الوضع إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية وتكاليف النقل، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين. الأحداث الأمنية في المحافظة والمناطق الشرقية تسببت في إعاقة حركة التجارة وارتفاع فاتورة الاستيراد، مما زاد من العبء على السكان. كما أثر تراجع المنح والمساعدات وتفتت السلطات الاقتصادية سلبًا على جهود التعافي.
- المشهد العسكري والأمني: ساحة صراع متعددة الأطراف
- القوى العسكرية الفاعلة
تسيطر قوات “دفاع شبوة” والوحدات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي (مثل اللواء السادس صاعقة جنوبية ومحور عتق) على معظم مراكز الثقل في المحافظة. هذه القوات، المدعومة من الإمارات، تتمتع بتدريب وتسليح أفضل مقارنة بالقوى المحلية الأخرى. وقد أجرت هذه القوات عروضًا عسكرية ودورات تدريبية مكثفة لتعزيز جاهزيتها لمواجهة التهديدات.
– تهديد تنظيم القاعدة
– القوات الحكومية وخلايا أخرى
على الرغم من وجود قوات موالية للحكومة الشرعية، فإن نفوذها الفعلي في شبوة محدود بسبب سيطرة الانتقالي. كما تم ضبط خلايا حوثية في مناطق الحكومة خلال عام 2025، مما يشير إلى محاولات مستمرة لاختراق الأمن. بالإضافة إلى ذلك، تساهم التنافسات بين القوى الموالية لأطراف إقليمية أخرى في التوترات الأمنية.
– تطورات أمنية حديثة
في أكتوبر 2025، أعلن محافظ شبوة، عوض العولقي، تبني مطلب تحويل المحافظة إلى “منطقة عسكرية مستقلة” بعيدًا عن تبعية مأرب، وهو ما يعكس طموحات المجلس الانتقالي لتعزيز سيطرته الذاتية. كما شهدت الفترة الماضية هجمات على مواقع الانتقالي، بالتزامن مع حملات تجنيد واسعة، مما يشير إلى تصاعد التوترات. وعلى صعيد الأمن البحري، ضبط خفر السواحل في رضوم قوارب مشتبه بها، مؤكدًا أهمية تأمين الشريط الساحلي الاستراتيجي.
- تقييم قوة المجلس الانتقالي الجنوبي والأجنحة السياسية الأخرى
– الانتقالي الجنوبي: القوة الصاعدة
يمتلك المجلس الانتقالي الجنوبي تشكيلات عسكرية منظمة، مثل قوات “دفاع شبوة” وألوية الدعم والإسناد، التي أظهرت فعاليتها في مكافحة الإرهاب وتأمين المناطق الساحلية. هذه القوات تخضع لهيكلة شاملة بإشراف خبراء، مما يمنحها قدرة تحكم بالأرض في عدن ومعظم المحافظات الجنوبية، بما في ذلك أجزاء واسعة من شبوة. الدعم الإماراتي يمنح الانتقالي ميزة تسليحية وتدريبية.
مخطط راداري يقارن مستويات القوة والنفوذ للمجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية وتنظيم القاعدة في شبوة (حتى أكتوبر 2025)
أصبح الانتقالي شريكًا رسميًا في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، مما يمنحه تمثيلاً سياسيًا واسعًا. يهدف المجلس إلى استعادة دولة الجنوب المستقلة، ويعمل على حشد الدعم الشعبي والدولي لمشروعه، بما في ذلك إطلاق “الحوار الوطني الجنوبي” وافتتاح مكاتب تمثيلية دولية، مثل مكتب الهند في عدن أكتوبر 2025.
يواجه المجلس الانتقالي تحديات مثل تدهور الخدمات الأساسية في المناطق التي يسيطر عليها (مثل عدن)، مما يغذي التململ الشعبي. كما يواجه صراعات نفوذ مع قوى أخرى في حضرموت والمهرة، وتهديدًا إرهابيًا مستمرًا من القاعدة، وصراعات داخلية مع حلفائه في الحكومة الشرعية حول توزيع الموارد والنفوذ.
– الأجنحة السياسية الأخرى: تشتت وتنافس
– الحكومة الشرعية (المجلس الرئاسي)
تتعامل الحكومة الشرعية مع شبوة اسميًا كجزء من نفوذها، لكن قوتها الفعلية محدودة في مواجهة سيطرة الانتقالي. يعاني المجلس الرئاسي من صراع إرادات وأجندات بين مكوناته، مما يضعف موقفه وقدرته على توحيد الصفوف وإدارة الأزمات بفعالية.
– المؤتمر الشعبي العام
يعد المؤتمر الشعبي العام أحد أكبر الأحزاب اليمنية تاريخيًا، لكنه يعاني حاليًا من انقسامات حادة بين جناح صنعاء الموالي للحوثيين، وأجنحة أخرى تدعم الحكومة الشرعية. تأثيره في شبوة يعتمد بشكل أكبر على شبكاته السياسية والإدارية، وليس على قوة عسكرية منظمة.
– الحوثيون (أنصار الله)
ليس للحوثيين وجود عسكري مباشر في شبوة، لكنهم يمثلون تهديدًا غير مباشر من خلال هجماتهم الصاروخية وخلاياهم النائمة التي يتم ضبطها بين الحين والآخر. كما أن سيطرتهم على مناطق شمالية تؤثر على الاقتصاد الوطني والقدرة على استيراد السلع، مما ينعكس سلبًا على شبوة.
– تنظيم القاعدة
يمثل تنظيم القاعدة تهديدًا أمنيًا مستمرًا، خاصة في المناطق الريفية النائية. ورغم الضربات التي تلقاها التنظيم ومقتل عدد من قياداته في 2025، إلا أنه لا يزال قادرًا على شن هجمات واستهداف القوات الأمنية، مما يؤثر على الاستقرار.
– قوى محلية أخرى
تضم شبوة قوى قبلية ومحلية ذات تأثير كبير في الاستقرار. كما توجد مبادرات حكم محلي وتنمية مدعومة إقليميًا، بالإضافة إلى كيانات عسكرية مثل ألوية العمالقة، التي كان لها دور في السابق. هذه القوى تلعب دورًا في توازنات القوى وتساهم في تعقيد المشهد.
- التحديات والفرص: نظرة مستقبلية
– التحديات الرئيسية:
– الصراع المستمر على الموارد: التنافس على الثروات النفطية والغازية بين مختلف الأطراف يغذي الصراعات ويمنع استغلال هذه الموارد لصالح السكان.
– عدم الاستقرار الأمني: استمرار تهديد تنظيم القاعدة ووجود خلايا أخرى يعيق جهود التنمية ويعرض حياة المدنيين للخطر.
– ضعف الحوكمة: الفساد وسوء الإدارة وتفتت السلطات يقلل من كفاءة الخدمات العامة ويزيد من معاناة السكان.
– التدخلات الخارجية: تساهم الأجندات الإقليمية والدولية المتضاربة في تعقيد المشهد السياسي والعسكري، مما يجعل الحلول المحلية أكثر صعوبة.
- الفرص المتاحة:
– تنويع الاقتصاد: دعم القطاعات غير النفطية مثل إنتاج العسل والزراعة يمكن أن يخلق فرص عمل ويقلل من الاعتماد على النفط.
– الدعم الإقليمي والدولي: استغلال الدعم المقدم من بعض الدول لتعزيز الاستقرار والتنمية، شريطة أن يصب في مصلحة السكان.
– الحوار الوطني الجنوبي: مبادرات توحيد الصف الجنوبي يمكن أن تؤدي إلى بناء جبهة داخلية قوية قادرة على التفاوض الفعال وتحقيق الاستقرار.
– مقارنة الأداء والاحتياجات في شبوة
لتقييم مدى فعالية الأطراف الفاعلة في شبوة، يمكننا مقارنة أدائهم في مجالات رئيسية مثل القدرة على توفير الخدمات الأساسية، وتعزيز الأمن، والحوكمة، والتنمية الاقتصادية. هذا الجدول يسلط الضوء على نقاط القوة والضعف لكل طرف.
| القوى المحلية/القبلية | الحكومة الشرعية | المجلس الانتقالي الجنوبي | المعيار |
|---|---|---|---|
| متوسطة (تأثير في مناطق معينة، بعضها يميل للتحالف) | متوسطة (نفوذ محدود، تعاني من صراعات داخلية) | مرتفعة (سيطرة عسكرية على معظم المناطق، مكافحة الإرهاب) | القدرة الأمنية |
| منخفضة (اعتماد على المساعدات والمبادرات الفردية) | منخفضة (ضعف في البنية التحتية والخدمات) | متوسطة (تحسينات في بعض المناطق، لكن تحديات في عدن) | توفير الخدمات الأساسية |
| متنوعة (تعتمد على الزعامات المحلية، قد تفتقر للمؤسسية) | ضعيفة (فساد، تفتت السلطات) |
متوسطة (هياكل إدارية ناشئة، تحديات في الشفافية) | الحوكمة والإدارة |
| منخفضة (مبادرات محدودة، تعتمد على الجهود الذاتية) | منخفضة (تعتمد على المساعدات الخارجية، ضعف في استغلال الموارد) |
متوسطة (مشاريع مقترحة مثل مصفاة شبوة، لكن بطء التنفيذ) | التنمية الاقتصادية |
| متنوع (يعتمد على النفوذ القبلي والشخصي) | منخفض (تراجع الثقة بسبب الأزمات) |
متوسط إلى مرتفع (خاصة في الجنوب، لكن تحديات بسبب الخدمات) | الدعم الشعبي |
تُظهر محافظة شبوة واقعًا معقدًا ومتعدد الأوجه، حيث تتداخل الثروات الطبيعية الكامنة مع التدهور الاقتصادي الحاد والصراعات العسكرية والسياسية. يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي، بدعمه الإقليمي وقوته العسكرية المنظمة، على معظم المحافظة، ويواجه تحديات أمنية من تنظيم القاعدة وخلايا أخرى. في المقابل، تعاني الأجنحة السياسية الأخرى من التشتت وضعف النفوذ. إن تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في شبوة يتطلب معالجة شاملة للفساد، وتحسين الحوكمة، وتنويع مصادر الدخل، وإيجاد حلول سياسية دائمة تخدم مصالح السكان وتراعي تعقيدات المشهد المحلي والإقليمي. يبقى مستقبل شبوة مرهونًا بقدرة الأطراف الفاعلة على تجاوز خلافاتهم والعمل نحو هدف مشترك لتحقيق السلام والازدهار.

