ياسر الفرح
في زمنٍ صارت فيه قضايا ودماء امتنا مجرد شعارات او مادة لجذب مزيد من المشاهدات في وسائل التواصل الاجتماعي ، خرجت من أقصى الأرض امرأة أسترالية تُدعى هانا توماس، لتثبت للعالم بحقيقة أن الإنسانية فعلٌ قبل أن تكون شعاراً .
هانا لم تحمل فقط لافتة في مظاهرة، بل حملت قلبًا نابضًا بالحق، ودفعَت ثمن موقفها من جسدها. في إحدى الوقفات الاحتجاجية الداعمة لغزة، حيث تُزهق أرواح الأطفال وتُحاصر الأرامل وتُجوّع العائلات، هاجمت الشرطة الأسترالية الحشود، وكانت هانا في الصفوف الأولى. تلقّت ضربة غادرة أفقدتها عينها… لكن تلك الضربة لم تفقدها البصيرة، بل جعلتها أكثر وضوحًا في موقفها.
وضعت رقعة على عينها، لكنها لم تكن رقعة عادية… كانت راية فلسطين. وكأنها أرادت أن تقول: “جرحي لن يكون خزيًا، بل علمًا يرفرف فوق وجهي، ليذكر العالم بما يحدث في غزة.” عادت إلى الشوارع، أكثر صلابة، أكثر إصرارًا، أكثر حضورًا… وهتفت من قلبها: “الحرية لفلسطين”.
هانا أثبتت أن الإنسانية ليست جنسية ولا جواز سفر ولا دينًا… بل موقفٌ لا يعرف المساومة. فقدان عينها لم يمنعها من رؤية الحقيقة التي غابت عن أبصار كثيرين، كما قال الله تعالى:
“فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ” [الحج: 46].
أيها العرب… يا أمة المليارين، أين نحن من امرأة لا تعرف لغتكم ولا دينكم، لكنها حملت قضاياكم في قلبها، ودافعت عنها بعينٍ واحدة، بينما كثير منكم لم يدافع عنها ولو بكلمة أو موقف؟
إن ما فعلته هانا بعين واحدة، عجزت عنه أمة كاملة بعيونها المبصرة… لكن أغلقت قلوبها.
وغزة… تلك المدينة التي تقف على أطراف الروح، تحاول أن تلتقط أنفاسها ولو مؤقتًا، تبحث عن لحظة راحة من موتٍ لا يتوقف، عن ضحكة قبل الرصاصة الأخيرة، عن فرصة وداع أقل ألمًا من قصف الفجر.
هانا بعينها المفقودة، منحت غزة عينًا جديدة ترى بها أن الحق ما زال له أنصار… وإن لم تتشابه أسماءنا ولا الوان بشرتنا.
