عندما تنهار النظم البيئية دون أي علامات تحذيرية | بيئة ومناخ


روكب اليوم

|

غالبا ما تركز نقاشات تغير المناخ على الانهيارات الجذرية للنظام البيئي، مثل ذوبان الجبال الجليدية أو تبييض الشعاب المرجانية بين عشية وضحاها، ولكن ماذا لو كان الخطر الحقيقي يكمن في مكان آخر؟ ليس في الانهيار المرئي، بل في الأنظمة البيئية التي تفقد توازنها تدريجيا.

تُظهر دراسة حديثة أجراها البروفيسور جون ديرينغ من جامعة ساوثهامبتون ونشرت في مجلة “وان إيرث” أن العديد من الأنظمة البيئية قد تنهار بهدوء دون أي علامات تحذير واضحة، وتنبثق هذه الرؤية من مصدر مفاجئ، وهو دراسة المواد المغناطيسية.

وساعدت الاختبارات المعملية على المواد المغناطيسية الحديدية الباحثين على مقارنة كيفية استجابة الأنظمة للإجهاد.

تصرفت الهياكل المغناطيسية البسيطة كبحيرات تتحول فجأة إلى اللون الأخضر، أما الهياكل الأكثر تعقيدا كالغابات المطيرة فقد تحولت تدريجيا.

ويتردد صدى هذا السلوك في الطبيعة، كاشفا كيف يمكن للغابات أو الصفائح الجليدية أن تتدهور بهدوء مع مرور الوقت.

وقال البروفيسور سيمون ويلكوك المشارك في الدراسة من مركز روثامستيد للأبحاث “بعض الأنظمة تنكسر، والبعض الآخر يترهل”.

وتفترض نماذج نقطة التحول التقليدية حدوث تحولات مفاجئة، لكن الدراسة تتحدى هذه الفكرة باستخدام أطر عمل جديدة تشير إلى أن الأنظمة المعقدة تعيد تنظيم نفسها على مراحل، وقد تحافظ على توازنها الجزئي مع التكيف مع الضغوط المتزايدة.

ويتوافق هذا “الانقلاب الطفيف” مع الملاحظات الواقعية، فالأنظمة البيئية الكبيرة غالبا ما تُظهر استجابات بطيئة ولا تتبع سلوكيات الانقلاب التقليدية.

فعلى سبيل المثال، غالبا ما تحدث تغيرات في جودة مياه البحيرات بشكل خطي، أما المناطق المعقدة مكانيا مثل البيئات شبه القاحلة فتتغير أنماطها، ولكن ليس بشكل مفاجئ.

وتحذّر الدراسة من الاعتماد كليا على إشارات الإنذار المبكر، فهذه العلامات مثل تزايد التباين قد لا تظهر في الأنظمة المعقدة، بل قد يكون التغيير يحدث بالفعل بصمت دون علامات إنذار واضحة.

ذوبان الأنهار الجليدية يعد من أخطر نقاط التحول المناخي (الفرنسية)

انهيار النظام البيئي والتعافي

في الأنظمة المغناطيسية تعكس التغيرات في محاذاة المجال المغناطيسي تحت الضغط استجابات النظام البيئي، وتتصرف المواد المغناطيسية الصلبة كالأنظمة البسيطة فتتغير فجأة، أما المواد المغناطيسية اللينة فتتغير تدريجيا، وينطبق الأمر نفسه على الأنظمة البيئية.

ويقارن جدول في الدراسة مصطلحات مغناطيسية مثل “القوة القسرية” بمفاهيم بيئية مثل “نقطة التحول”، وتكشف هذه المقارنات عن مقدار الطاقة أو الضغط اللازم لدفع نظام ما إلى الانهيار أو التعافي.

ويفسر هذا التشبيه أيضا لماذا يتطلب التعافي في بعض الأنظمة طاقة أكبر من الانهيار، ففي المغناطيسات يتطلب عكس المجال بعد الانهيار جهدا إضافيا، أما في الطبيعة فغالبا ما يتطلب استعادة نظام بيئي متضرر جهودا مستمرة، وأحيانا تدخلات صادمة.

ووفقا للدراسة، فإن سرعة تطبيق الضغط لا تقل أهمية عن حجمه، فالارتفاع السريع في درجات الحرارة أو مستويات التلوث قد يؤدي إلى انقلاب الأنظمة بشكل أسرع، وبالتالي تبدي هذه الأنظمة مقاومة أكبر للتعافي.

وتدعم الاختبارات المغناطيسية هذا، فعندما تتغير المجالات المغناطيسية بسرعة تنقلب المجالات أسرع وتتطلب قوة أكبر لعكس اتجاهها.

وتُظهر نماذج المناخ نتائج مماثلة، فالاحترار السريع يقلل وقت تكيف الأنظمة، مما يدفعها نحو الانهيار.

وقال البروفيسور روي تومسون المؤلف المشارك في الدراسة “إن التغييرات البطيئة للأنظمة البيئية قد تكون خادعة”.

توسعت ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية بفعل الاحتباس الحراري والتلوث البحري (غيتي)

علامات خفية على الانهيار

تشير الدراسة إلى أن النظر إلى النظم البيئية بمقياس خاطئ يخفي أضرارا مبكرة، فقد تبدو الغابات على سبيل المثال سليمة إجمالا في حين تتدهور مناطق صغيرة عديدة داخليا، وتعمل هذه البقع كمجالات مغناطيسية، لكل منها حدها ومعدل استجابتها الخاص.

هذا التدهور المُجزّأ يفسر ندرة الإنذارات المبكرة، كما يعني أن صانعي السياسات قد يُفوّتون فرصة التحرك في الوقت المناسب، وقد يكون انتظار علامات واضحة وكبيرة مثل موت الغابات على نطاق واسع متأخرا جدا.

وقال ديرينغ “إن عملنا يشير إلى أننا ربما نكون قد عبرنا بالفعل نقاط التحول دون أن ندرك ذلك”.

وتشير الدراسة إلى أن التعافي لا يزال ممكنا، فالأنظمة التي تنهار تدريجيا قد تتعافى إذا تحركنا مبكرا، وقد يساعد التعافي السلبي كترك الطبيعة تشفى في بعض الحالات، لكن في أغلب الأحيان ثمة حاجة إلى تدابير فعالة.

وتشمل تلك التدابير إعادة إدخال الأنواع أو إزالة الملوثات أو إعادة تشكيل النظم البيئية المنهارة، ويمكن لهذه التدخلات أن تدفع النظم البيئية من الانهيار إلى حالة مستقرة، تماما كما تعيد المجالات المغناطيسية تنظيم المجالات في ظل الظروف المناسبة.

وفي هذا السياق، يقول البروفيسور سيمون ويلكوك “هذا العمل يغيّر مجرى الأمور فيما يتعلق بمخاطر المناخ، إذا انتظرنا حتى تنذرنا الأنظمة البيئية فسنكون قد انتظرنا طويلا، فالخطر الحقيقي يكمن في الأنظمة التي تهمس وهي تنهار”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Enable Notifications OK No thanks