روكب اليوم
2025-10-29 05:54:00
وكانت حدة التصعيد مرتبطة مباشرة بملف جثث المحتجزين، حيث نشر الجيش الإسرائيلي مقاطع فيديو قالت إنها تظهر قيام عناصر من حماس بنقل الجثث وإعادة دفنها، مما اعتبر محاولة لتضليل عملية التسليم.
بالمقابل، أكدت حماس أن إسرائيل تمنع دخول فرق مشتركة من الصليب الأحمر والممثلين عن الحركة للقيام بهذه المهمة، وأعلنت تأجيل تسليم جثث أحد الرهائن التي تم العثور عليها بسبب الانتهاكات الإسرائيلية.
حسابات سياسية
يؤكد الباحث بشير عبد الفتاح في حديثه لبرنامج “التاسعة” على “سكاي نيوز عربية”، أن الطرفين، حماس وإسرائيل، يستثمران الأزمة في حسابات سياسية واستراتيجية لصالحهما، فحماس ترغب في الحفاظ على وجودها السياسي والأمني في غزة، والاحتفاظ بسلاحها ليبقى ورقة ضغط مركزية، بينما يسعى نتنياهو إلى تعزيز صورته لدى اليمين الإسرائيلي والإعلان عن ما يسمى “النصر المطلق” بعد أحداث 7 أكتوبر 2023.
ويشير عبد الفتاح إلى أن “إسرائيل تتهم حماس عمدا بتأخير تسليم الجثث، بينما تبرر الحركة الأمر بصعوبات لوجستية وتقنية، إلى جانب قيود الاحتلال على دخول المعدات اللازمة لإتمام العملية. هذا الصراع على الرواية يجعل من الصعب وجود سردية محايدة، ويزيد من تعقيد تنفيذ أي اتفاق مرحلي أو دائم”.
دور الإدارة الأميركية
يضيف عبد الفتاح أن “الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لنتنياهو للقيام بضربات محدودة، بهدف امتصاص غضب اليمين المتطرف والحريديم، الذين يخططون لتظاهرات مليونية ضد الحكومة الإسرائيلية”.
ويشرح أن “الهدف من هذه المرونة المرحلية هو الحفاظ على الاتفاق، وعدم السماح بانهياره، حيث يحرص الرئيس الأميركي على استكماله ولو جزئيا، لأنه يسعى لنسب أي نجاح في وقف النزاع إليه، بما يعزز فرصه في مسعى لتعزيز صورته كصانع سلام عالمي والحصول على اعتراف دولي وجائزة نوبل للسلام”.
ويرى عبد الفتاح أن “إدارة ترامب تتعامل مع مسألة غزة بواقعية استراتيجية: منح نتنياهو متنفسا للقيام بعمليات عسكرية أو توسيع السيطرة الإسرائيلية في القطاع، مع التحكم في وصول المساعدات الإنسانية، من دون أن تظهر واشنطن عاجزة عن ضبط الأمور”.
من الجثث إلى إعادة الإعمار
المرحلة الأولى من الاتفاق تتعلق بتسليم الجثث والرفات مقابل انسحاب محدود للقوات الإسرائيلية، إلا أنها لم تستكمل بعد.
أما المرحلة الثانية، الأكثر حساسية، فتشمل تسليم سلاح حماس، والمرحلة الثالثة هي إعادة الإعمار، وترتبط بإتمام المرحلتين السابقتين، مما يجعل تطبيقها شبه مستحيل في الوقت الراهن.
ويشير عبد الفتاح إلى أن المرحلة الأولى نفسها ملغومة، بسبب العقبات اللوجستية والسياسية، بينما لا توجد مؤشرات على تخطي المرحلة الثانية إلا بتقديم تسهيلات كبيرة من الوسطاء الدوليين، وهو ما يحول الاتفاق إلى “ملغوم” في مراحله الثلاث.
محاولة مصرية لإنقاذ الاتفاق
تلعب القاهرة دور الوسيط الفاعل بالتنسيق مع واشنطن، مستندة إلى دبلوماسية الاستخبارات، حيث يمتلك مدير الاستخبارات المصرية تفويضا رئاسيا للعمل على حلحلة الأزمة.
وتشمل الجهود تقديم المعدات التقنية واللوجستية لتسهيل العثور على الجثامين، واقتراح تجميد السلاح بدلا من تسليمه، وتنظيم مؤتمر لإعادة الإعمار في نوفمبر بتكلفة أقل وفترة زمنية مختصرة.
ويظهر التدخل المصري جدية في تقريب وجهات النظر بين الطرفين ومحاولة تقديم حلول مرحلية تحفظ ما يمكن حفظه من الاتفاق، مع الحفاظ على الاستقرار النسبي في المنطقة ومنع انفجار الوضع مجددا.
التحديات المستقبلية.. معضلة النصر والهزيمة
يؤكد عبد الفتاح أن “حسابات النصر والهزيمة تجعل تنفيذ الاتفاق معقدا للغاية، فنتنياهو يسعى لاستثمار المراحل الثلاث لتحقيق انتصار سياسي وعسكري ملموس، بينما تحاول حماس الحفاظ على قوتها ووجودها في القطاع. وبذلك، تصبح كل مرحلة من الاتفاق محاطة بعقبات مستمرة، حتى لو تم التوصل إلى حلول مرحلية مؤقتة”.
ويخلص الباحث إلى أن الاتفاق المرحلي الحالي لا يسعى لتقديم حلول جذرية أو دائمة، بل يهدف إلى منع انهيار الوضع وإعادة إشعال الصراع، مع محاولة ضبط التوازنات بين الأطراف المختلفة، بما يشمل إسرائيل، وحماس، والولايات المتحدة، ومصر.

