فيزيائي: “الزمكان” لا وجود له والكون حدث لا يتوقّف | علوم


روكب اليوم

في قلب كل ما نعرفه عن الكون، تمتد خيوط نسيج غير مرئي اسمه “الزمكان”، ذلك المزيج العجيب الذي صاغه ألبرت أينشتاين قبل أكثر من قرن.

الزمكان هو مفهوم فيزيائي يدمج بين الزمان والمكان في نسيج واحد رباعي الأبعاد، هذا النسيج هو الفضاء نفسه، والفضاء ليس المكان الذي يوجد فيه الكون، بل هو الكون ذاته في جانبه الهندسي.

والزمكان شيء يصعب إدراكه أو تخيله، ببساطة لأننا نحن البشر كائنات تعيش وتدرك العالم في ثلاثة أبعاد، أما تصور العالم بأربعة أبعاد فهو شيء لا نستطيع الخوض به إلا عبر الرياضيات.

الزمكان هو مفهوم فيزيائي يدمج بين الزمان والمكان في نسيج واحد رباعي الأبعاد (رويترز)

فرضية جديدة

الآن تخيل أن هذا الفضاء الذي تسير فيه واللحظة التي تعيشها الآن ليسا أكثر من خطوط على خريطة فكرية، وأن هذا النسيج الذي نظنه أساس الوجود قد لا يكون موجودا أصلا.

هذه هي الفكرة الجريئة التي يطرحها فيزيائي كندي من جامعة ساسكاتشوان، يسمى داريل يانزن، فكرة تقول إن الزمكان لا وجود له.

يتخصص يانزن في نطاقين يبدوان بعيدين إلى حد ما، وهما فيزياء الكونيات من جانب، والفلسفة من جانب آخر، ومن خلال جمعهما معا توصل إلى أن إحدى كبرى عمليات سوء الفهم في الفيزياء الحديثة هي افتراض أن الزمكان “شيء” حقيقي قائم بذاته، مثل نسيج مادي أو مسرح كوني تدور فوقه الأحداث.

عادة ما تساعد الثقافة العامة على تأصيل تلك الفكرة، حيث دائما ما نبسط الزمكان قائلين إنه يمثل “حصيرة” مطاطية مشدودة الأطراف، ما إن نضع عليها أي شيء ثقيل، وليكن كرة حديدية مثلا، حتى تنحني، هذا مكافئ لانحناء الزمكان مع وجود النجوم.

لكن ما يقترحه يانزن هو نظرة مختلفة تماما، وهو أن الزمكان ليس كيانا موجودا، بل هو منطق رياضي أو إطار تصوّري يربط الأحداث ببعضها، تماما كما تربط خطوط الطول والعرض على خريطة الأرض المدن والبحار، دون أن تكون تلك الخطوط موجودة فعلا في الطبيعة.

ويوضح الباحث أن هناك فرقا أساسيا بين ما “يوجد” وما “يحدث”، فالأشياء المادية، كالكواكب والجبال والبشر، توجد لأنها تمتلك استمرارية في الزمن وتشغل حيزا في المكان.

أما الأحداث، كالانفجارات النجمية أو لحظة ميلاد نجم، فهي تحدث ثم تنتهي، وبالتالي لا يمكن القول إن الزمكان، الذي هو تجميع للأحداث، “يوجد” كما توجد المادة.

هذا الطرح لا ينتقص من عبقرية أينشتاين، بل يكمّلها بطريقة جديدة، فإذا كان الزمكان مجرد خريطة فكرية، فإن فهمنا للكون سيتغير جذريا، حيث لن يكون الكون وعاء يحتوي الأشياء، بل شبكة من العلاقات المتغيرة باستمرار.

وهكذا، فإن كل لحظة نعيشها ليست نقطة على خط زمني جامد، بل ومضة وجود فريدة في بحر لا نهائي من الحدوث.

الماضي والحاضر والمستقبل جميعا واقع موضوعي لكننا فقط لا ندركه لأننا محدودو الإدراك (شترستوك)

فلسفة الفيزياء

في فلسفة الفيزياء، ترى وجهة النظر “الحاضرية” أن الحاضر فقط هو الشيء الوحيد الواقعي الموجود في هذا الوجود، والمستقبل والماضي هي أشياء “وجدت” أو “ستوجد” لكنها ليست واقعا.

تقف ضدها وجهة النظر الأخرى التي تسمى “الأبدية” والتي تقول إن الماضي والحاضر والمستقبل جميعا واقع موضوعي، لكننا فقط لا ندركه لأننا محدودو الإدراك.

حين يقول باحثون مثل يانزن إن الزمكان لا يوجد، فهم لا يقصدون أن الكون أو الزمن وهم، بل يقصدون أن الزمكان ليس “كيانًا ماديا” قائما بذاته، بل مجرد إطار رياضي أو مفهومي يصف العلاقات بين الأحداث.

أي أن ما يوجد بالفعل هو الأحداث نفسها، لا “المسرح” الذي تحدث عليه، هذه الفكرة تقف في موضع نقد مباشر للمدرسة “الأبدية”.

لكن يانزن كذلك لا يتفق تماما مع الحاضرية التي تقطع الزمن إلى لقطات منفصلة، فتجعل كل لحظة تنتهي تماما قبل أن تبدأ الأخرى، وكأن الوجود ينطفئ ويشتعل بلا استمرارية، وهذا أيضا لا يفسّر الترابط الطبيعي الذي يجعل الكون يتطور بسلاسة من حالة إلى أخرى.

في هذا السياق، فإنه يتبع نهجا يقول إن الزمكان ليس “موجودا” سواء ككتلة ضخمة تحكم كل تاريخ الكون أو ومضة تحكم لحظة واحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Enable Notifications OK No thanks