كيف تعيد هدنة غزة تشكيل الوضع في اليمن؟

روكب اليوم
يؤكد هجوم تنظيم القاعدة الذي أودى بحياة تسعة جنود يمنيين في المحفد جنوبي اليمن، هشاشة الجبهة الجنوبية والمدى الذي وصل إليه إدارة الفاعلين الخارجيين – وليس توجيههم – لحرب اليمن حاليًّا. ينشط تنظيم القاعدة في جزيرة العرب (AQAP) مستغلًا الثغرات القائمة بين القوات المتنافسة التي تتبع اسميًّا مجلس القيادة الرئاسي، لكن ولاءها عمليًّا يذهب لرعاة منفصلين.

يهيمن المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن والكثير من لحج وأبين بدعم إماراتي. بينما تظل الوحدات الموالية لحزب الإصلاح متحصنة في مأرب وأجزاء من تعز تحت رعاية سعودية. أما ألوية طارق صالح الساحلية، فتسيطر على مواقع البحر الأحمر كقوة مستقلة مرتبطة بأبوظبي. التنسيق بين هذه الكتل ضئيل، ما يترك فجوات مفتوحة يستغلها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بتكلفة محدودة.

لقد ترسخ نمط التقسيم الفعلي للبلاد، وأصبح أشبه بتوازن مُدار. يحكم الحوثيون الشمال كسلطة منضبطة، ويسيطرون على الإيرادات والجمارك والتجارة عبر الحدود. وفي المقابل، نجح المجلس الانتقالي الجنوبي في بناء أجهزة إدارية وأمنية فاعلة في جميع أنحاء الجنوب. وفي خضم هذا الواقع، تحول مجلس القيادة الرئاسي إلى واجهة تُبقي عليها السعودية للحفاظ على الشرعية الدولية.

  • تحول الاستراتيجيات الإقليمية والدولية
تحولت استراتيجية المملكة العربية السعودية نحو احتواء الصراع وتأمين الحدود. وتستمر المملكة في تمويل مجلس القيادة الرئاسي، والتوسط بين القادة الجنوبيين المتنافسين، والتفاوض مباشرة مع ممثلي الحوثيين لحماية البنية التحتية عبر الحدود والحد من نشاط الصواريخ. في غضون ذلك، تواصل الإمارات العربية المتحدة، التي تركز على الممرات البحرية وممرات الطاقة في الجنوب والغرب، توسيع نفوذ الألوية الشريكة لها، لا سيما قوات العمالقة، لترسيخ سيطرتها على خطوط الإمداد الساحلية والموانئ الاستراتيجية. وتظل مسقط الوسيط الفعال الوحيد مع الحوثيين، حيث تستضيف محادثات هادئة تبقي قنوات الاتصال مفتوحة مع الرياض والمسؤولين الغربيين.

بالنسبة لواشنطن ولندن، لا يزال اليمن مسرحاً لانخراط محدود. وتتواصل العمليات الأمريكية والبريطانية ضد البنية التحتية لإطلاق الصواريخ التابعة للحوثيين والمرتبطة باضطرابات الملاحة في البحر الأحمر، ولكن دون تفويض أوسع لتغيير الحقائق السياسية. وقد استأنفت الوكالات الإنسانية الوصول الجزئي إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، لكن إعادة الإعمار لا تزال رهينة للخريطة السياسية المجمدة.

  • اليمن.. توازن مُدار بين مراكز قوى ذاتية
يعمل اليمن حالياً كمجموعة من مراكز القوى الذاتية المرتبطة ببعضها البعض بالرعاية الخارجية أكثر من المؤسسات الوطنية. يسيطر الحوثيون على الشمال، ويحكم المجلس الانتقالي الجنوبي الجنوب بدعم إماراتي، وتدير المملكة العربية السعودية الغطاء الدبلوماسي، بينما يناور تنظيم القاعدة في جزيرة العرب داخل الفراغ المتروك بين هذه الأطراف. لقد استقرت هندسة السيطرة على تشكيلة تبدو الأطراف الخارجية مستعدة لإدارتها إلى أجل غير مسمى، طالما ظل التصعيد قابلاً للاحتواء وظلت المخاطر البحرية محدودة.

إن وقف إطلاق النار في غزة من شأنه أن يغير الحسابات في اليمن، عبر تحرير النطاق الدبلوماسي والعسكري للجهات الفاعلة التي كانت توازن بين الساحتين: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإيران، والولايات المتحدة.

  • تداعيات الهدنة على اللاعبين الرئيسيين
بالنسبة للرياض: تقلل الهدنة من حاجتها إلى التموضع الإقليمي وتتيح لها التركيز مجدداً على إنهاء الصراع في اليمن، مع وضع أمن الحدود في الاعتبار. وقد تسرّع الهدنة المحادثات السعودية-الحوثية الجارية بالفعل بوساطة عمانية. ومن المرجح أن تدفع السعودية الآن باتجاه وضع مستقر: حدود هادئة، واستئناف للتجارة عبر منفذي الوديعة وصعدة، واحتواء الجبهة الجنوبية التي تدار عبر مجلس القيادة الرئاسي.

بالنسبة لإيران: تزيل الهدنة في غزة المبرر الأساسي للحفاظ على تصعيد الوكلاء. وقد تشجع طهران الحوثيين على إعادة معايرة العمليات البحرية والصاروخية مقابل تنازلات اقتصادية. ويتناسب هذا مع نمط إيران في استخدام اليمن كورقة ضغط في مفاوضات أوسع، وليس كغاية بحد ذاتها.

بالنسبة لواشنطن ولندن: توفر جبهة غزة الهادئة مساحة لإعادة تقييم تكلفة واستدامة مهامهما في البحر الأحمر. وقد تتجهان نحو وضع أكثر اعتمادًا على الاستخبارات، والاعتماد على الشركاء الإقليميين بدلًا من الضربات المباشرة على أصول الحوثيين، شريطة أن ينخفض نشاط الصواريخ والطائرات المسيرة.

سيعتمد تأثير الهدنة داخل اليمن على ما إذا كانت هذه الجهات الفاعلة الخارجية ستستغل الهدنة الدبلوماسية لترسيخ التسوية المجزأة أو ستكتفي بتجميدها في مكانها. فإذا تحولت الرياض وطهران إلى وضع خفض التصعيد، سيكسب الحوثيون متنفسًا لمأسسة السيطرة في الشمال، بينما يعزز المجلس الانتقالي الجنوبي الوصول الإداري في الجنوب. عندها، يمكن لليمن أن يدخل مرحلة جديدة من المنافسة منخفضة الحدة بمجرد أن يستقر الوضع.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Enable Notifications OK No thanks