

روكب اليوم
21/8/2025–|آخر تحديث: 19:36 (توقيت مكة)
للإجابة عن “أحد أعظم ألغاز الحياة”، المتمثل في السؤال عما يتطلبه عيش حياة طويلة وسعيدة؟ أجرى علماء جامعة هارفارد “واحدة من أطول الدراسات وأشملها في مجال الصحة النفسية في التاريخ”، ما تزال مستمرة منذ أكثر من 85 عاما حتى الآن، وهي “دراسة هارفارد لتطور البالغين” التي أظهرت أن “العلاقات هي مفتاح السعادة، أكثر من الثروات، أو الجوائز، أو المكاسب المادية”.
ففي عام 2023 أصدر البروفيسور روبرت والدينغر، أستاذ الطب النفسي بجامعة هارفارد والقائد الرابع لأطول دراسة علمية عن السعادة، كتابه “الحياة الطيبة: دروس من أطول دراسة علمية في العالم عن السعادة”. ويعرض فيه أهم ما توصلت إليه الدراسة: أن السعادة، بوصفها المؤشر الأقوى لطول العمر الصحي، لا تتحقق إلا من خلال العلاقات الجيدة. وكما قال والدينغر باختصار إن العلاقات الجيدة تجعلنا أكثر سعادة وصحة.
نتائج مذهلة
وفقا لصحيفة “هارفارد غازيت”، شرح الدكتور والدينغر نتائج الدراسة في النقاط الخمس التالية:
- العلاقات الدافئة في سن 50 تجعلك أكثر صحة في سن 80، فقد كان اكتشاف الدراسة الأهم أنه “رغم أن العناية بجسمك ومستوى الكوليسترول لديك أمر أساسي، فإن علاقاتك الدافئة الجيدة تُعد شكلا من أشكال العناية بالنفس أيضا”.
بحسب والدينغر الذي قال: “عندما جمعنا كل ما نعرفه عن المشاركين في سن 50، لم تكن مستويات الكوليسترول لديهم في منتصف العمر هي مقياس تقدمهم في السن، ولكن المقياس كان في مدى رضاهم عن علاقاتهم؛ فالأشخاص الذين كانوا أكثر رضا عن علاقاتهم في سن 50 كانوا الأكثر صحة في سن 80”.
- الروابط الوثيقة أهم من المال أو الشهرة، فالروابط الاجتماعية المتينة هي ما يُبقي الناس سعداء طوال حياتهم، ويحميهم من مساوئ الحياة، ويساعد على تأخير التدهور العقلي والجسدي؛ أكثر من المال، أو الشهرة، أو المستوى الاجتماعي، أو معدل الذكاء، أو حتى الجينات.
فقد أظهرت الدراسة أن “دور العوامل الوراثية أقل أهمية في طول العمر من مستوى الرضا عن العلاقات في منتصف العمر”.
كما نسفت الدراسة فكرة أن شخصيات الناس تتشكل بحلول سن 30 ولا يمكن تغييرها، وقال والدينغر “إن هناك من كانوا فاشلين تماما في العشرينيات من عمرهم، وتحولوا إلى ثمانينيين رائعين. وفي المقابل، “أودى الاكتئاب الحاد بحياة أشخاص بدؤوا نجوما، وتركهم في النهاية حطاما”.
- الرضا الزوجي يحافظ على صحتك النفسية، فقد وجد الباحثون أن “الرضا الزوجي له تأثير وقائي على الصحة النفسية”، وأن من عاشوا زيجات سعيدة في الثمانينيات من عمرهم أفادوا بأن مزاجهم لم يتأثر حتى في أيام مرضهم، “أما من عاشوا زيجات تعيسة، فقد شعروا بألم عاطفي وجسدي أكبر عندما مرضوا”.
- الوحدة قاتلة بدرجة قوة التدخين، وفقا للدراسة فإن “من عاشوا حياة أطول وتمتعوا بصحة جيدة تجنبوا التدخين”، وبالقدر نفسه “من حظوا بدعم اجتماعي قوي عانوا من تدهور نفسي أقل، رغم تقدمهم في السن”.
- ليس شرطا أن تكون العلاقات الجيدة مثالية طوال الوقت، يقول الدكتور والدينغر “إن ما يهم ليس طبيعة العلاقة، ولا عدد العلاقات التي يمتلكها الشخص، بل جودة علاقاته”.
وأوضح أن العلاقات الجيدة لا تعني أن تكون مثالية دائما، فمن الطبيعي أن تحدث خلافات أو مشاحنات أحيانا، لكن ما دام هناك شعور بالثقة والقدرة على الاعتماد على الآخر في الأوقات الصعبة، فإن هذه الخلافات لا تضر بالذاكرة. فالعلاقات السليمة لا تحمي أجسادنا فقط، بل تحمي أدمغتنا أيضا.
خرافتان عن مصدر السعادة الحقيقية
في حوار مع مجلة “ذا هيلثي”، دحض والدينغر خرافتين عن مصدر السعادة الحقيقية، هما:
- الترويج لأن الحياة العصرية تدور حول إسعاد الناس، والحقيقة -بحسب والدينغر- هي أن بنيتنا الاجتماعية الحالية ليست مصممة لتحقيق السعادة الفردية، “ومعظم وسائل الراحة الحديثة تجعلنا تعساء للغاية”، مضيفا أن الحياة اليوم عبارة عن “ضباب من الأولويات الاجتماعية والسياسية والثقافية المتنافسة”، وبعضها لا علاقة له بتحسين حياة الناس.
- الفهم الخاطئ لدى معظم الناس بخصوص ما يسعدهم، فعندما استُطلعت آراء الناس حول ما يعتقدون أنه سيسعدهم، كانت الإجابة الأكثر شيوعا هي: الثراء، يليه الشهرة، ثم النجاح المهني، والسفر بكثرة، ثم عيش حياة “سهلة”؛ أما الحقيقة التي كشفتها الدراسة، أنه “لا شيء من هذه الأمور، بمفرده، يجلب السعادة”.
وهي حقيقة تجلت في نموذجين من المشاركين في الدراسة، الأول (جو) كان محاميا ثريا حاصلا على تعليم من جامعة هارفارد، ينحدر من عائلة مرموقة ومعروف في مجتمعه. أما الثاني (ليو)، فكان مدرسا للفنون في مدرسة ثانوية من حي فقير، يكافح بالكاد لكسب عيشه.
ومع ذلك، كان جو أتعس رجل في تاريخ الدراسة، إذ توفي بعد عقود من المشاكل الصحية، بينما كان ليو أسعدهم، إذ حافظ على نشاطه وصحته حتى النهاية تقريبا.
خطوات ذكية لبناء علاقات جيدة
في كتاب “الدليل الواقعي للذكاء العاطفي” يقول المؤلف جاستن باريسو إن العلاقات الجيدة تُبنى على “الثقة” التي تحتاج إلى 8 خطوات ذكية عاطفيا لجعلها أقوى وأعمق، وهي:
- التواصل، حيث يتطلب بناء الثقة تواصلا مستمرا، يسمح لك بالبقاء على اطلاع على واقع الشخص الآخر، ومتابعة نجاحاته وإخفاقاته، وكيفية تعامله معها؛ ويرسل له رسالة مفادها أن ما يهمه هو مهم لك أيضا.
-
كن على سجيتك، فالأشخاص الصادقون يعبّرون عن أفكارهم ومشاعرهم بصدق مع الآخرين. والأصالة لا تعني أن تكشف كل تفاصيل حياتك للجميع، بل أن تضع قيمك ومبادئك في المقدمة وتلتزم بها قبل أي شيء آخر.
-
كن مُساعدا، فأسهل الطرق لكسب ثقة شخص ما هي مُساعدته، وتقديم يد العون له كلما أمكن؛ ولو بأشياء صغيرة، مثل تحضير كوب من القهوة أو الشاي، أو المساعدة في غسل الأطباق، أو حمل البقالة.
-
كن صادقا، تجنب أنصاف الحقائق وابذل قصارى جهدك للتعبير عن نفسك بوضوح وصراحة؛ ففي الوقت الذي قد يحقق المخادعون نجاحا مؤقتا، “يبقى الصادقون أشخاصا لا يُقدرون بثمن”.
-
كن جديرا بالثقة، ففي عصر يسوده “التحلل من الالتزامات” وتراجع كثير من الناس عن أي اتفاق أو خطة متى شاؤوا؛ يكتسب الموفون بوعودهم سمعة حسنة ويحظون بالثقة.
-
أظهر التقدير، فكل شخص يتوق إلى التقدير، ولا يكفي أن تشعر بالتقدير للآخرين، بل عليك أن تُظهره لهم، فقد لا يدركون ذلك. وعندما تُخبر الآخرين بما تُقدّره فيهم ولماذا، فإنك تُعزز مشاعرهم الإيجابية، وتشجعهم على تقديرك أيضا، والاستمرار في فعل الأشياء التي تجعلهم محل تقديرك.
-
أظهر التعاطف، وإظهار التعاطف يعني القدرة على الشعور بألم شخص آخر في قلبك، والسعي لفهمه من خلال معرفة وجهة نظره، وتجنب الحكم على مشاعره، أو التقليل من شأنها.
-
اعتذر، فقول كلمتين قصيرتين مثل “أنا آسف” يمكن أن يغير سلوك شخص آخر أو مزاجه بالكامل، ويساعد على شفاء المشاعر المجروحة، وإظهار تقديرك الحقيقي لعلاقتك.