روكب اليوم
2025-10-27 13:30:00

ترامب وشي جينبينغ – أرشيفية
يمثل الإطار التوافقي الذي تم وضعه مؤخرأ بين كبار المسؤولين الاقتصاديين للولايات المتحدة والصين في كوالالمبور نقطة تحول محتملة في مسار العلاقات التجارية المضطربة بين أكبر اقتصادين في العالم.
بعد أشهر من التصعيد المتبادل الذي شمل التهديد بفرض رسوم جمركية كبيرة وقيود على تصدير المعادن النادرة الحيوية، يبدو أن الجانبين قد توصّلا إلى أرضية مشتركة تُمهّد لعقد صفقة شاملة بين الرئيسين دونالد ترامب وشي جين بينغ.
هذا التفاهم الأولي، رغم الحذر الصيني المعلن، أشعل شرارة من التفاؤل في الأسواق العالمية التي تتوق إلى اليقين والاستقرار في سلاسل الإمداد. ومع ترقب القمة المرتقبة بين الزعيمين في كوريا الجنوبية، تبرز تساؤلات ملحة حول عمق ونتائج هذا التوافق: هل يفتح “توافق كوالالمبور” صفحة جديدة في حرب ترامب وشي التجارية؟ هل يُنهي إطار الاتفاق الأميركي الصيني حقبة التوتر الاقتصادي العالمية حقاً وما هي دلالات هذا التوافق الوشيك على الاقتصاد العالمي وكيف ستُعيد الصفقة المرتقبة صياغة قواعد التجارة بين واشنطن وبكين؟
إدارة التوتر وإطار التهدئة
نجح كبار المسؤولين الاقتصاديين الصينيين والأميركيين في وضع إطار عمل لاتفاقية تجارية من شأنها تعليق عدد من الإجراءات العقابية المتبادلة، ممهدين بذلك الطريق أمام الرئيس دونالد ترامب والرئيس شي جين بينغ للتوقيع عليها في وقت لاحق من هذا الأسبوع، بحسب تقرير نشرته شبكة “سي إن بي سي” واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
ووفقاً للتقرير، صرح وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، بأن المحادثات التي جرت على هامش قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في كوالالمبور، قد أزالت خطر فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 100بالمئة على الواردات الصينية بدءاً من الأول من نوفمبر.
وأضاف بيسنت أنه يتوقع أن تؤجل الصين تطبيق نظام تراخيص المعادن النادرة والمغناطيس لمدة عام ريثما تُعاد النظر في هذه السياسة، كما توقع تمديد هدنة التعريفات الجمركية التي تنتهي في 10 نوفمبر، واستئناف الصين عمليات شراء كبيرة لفول الصويا الأميركي.
ترامب يتوقع اتفاقاً والصينيون حذرون
وذكر التقرير أن ترامب وشي من المقرر أن يلتقيا يوم الخميس على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC) في جيونجو، كوريا الجنوبية، للتوقيع على الشروط النهائية.
وبينما أبدى ترامب تفاؤله بعد المحادثات، قائلًا: “أعتقد أننا سنتوصل إلى اتفاق مع الصين”، كان المسؤولون الصينيون أكثر حذراً، حيث قال كبير المفاوضين التجاريين الصينيين لي تشنغ قانغ، إن الجانبين توصلا إلى “توافق أولي” وسيخضعان بعد ذلك لإجراءات الموافقة الداخلية الخاصة بكل منهما.
وأشار التقرير إلى أن لي وصف المحادثات بأنها “مكثفة للغاية” والموقف الأميركي بأنه “حازم”، مشدداً على أن الجانب الصيني كان ثابتاً في الدفاع عن مصالحه وحقوقه.
توفق أولي بشأن مجموعة من النقاط الخلافية
كما أشارت النتائج إلى توصل الجانبين إلى توافق أولي بشأن مجموعة من النقاط الخلافية، مما يُمهد الطريق للزعيمين لوضع اللمسات الأخيرة على الصفقة وتخفيف التوترات التجارية التي هزّت الأسواق العالمية، بحسب تقرير نشرته وكالة “بلومبرغ” واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
وأوضح التقرير أن مسؤولاً صينياً قال بعد يومين من المحادثات في ماليزيا إن الجانبين توصلا إلى توافق أولي حول مواضيع تشمل ضوابط التصدير، والفنتانيل، ورسوم الشحن. وفي سياق متصل، أكد الممثل التجاري الأميركي، جيميسون جرير، أن تجنيب قيود المعادن النادرة الصينية هو “أحد الأهداف الرئيسية لهذه المحادثات”، وأنهم يتقدمون نحو هذا الهدف “جيداً للغاية”.
ولفت التقرير إلى أن الإشارات المشجعة من الطرفين أدت إلى ارتفاع معنويات الأسواق، مذكراً بأن ترامب توقع التوصل إلى “صفقة جيدة مع الصين”، وقال “إن هناك رغبة متبادلة في عقد الصفقة”.
كما أوضح التقرير أن بيسنت تراجع عن تهديد ترامب بفرض رسوم الـ 100بالمئة، وتوقع أن تقدم الصين تأجيلاً لقيودها على المعادن النادرة، مضيفاً أن الولايات المتحدة لن تُغير ضوابط التصدير الخاصة بها التي تستهدف الصين.
وأشار التقرير إلى أن حل الخلاف حول المعادن النادرة يُعد أمراً بالغ الأهمية، نظراً للسيطرة الصينية على أكثر من 90 بالمئة من الإمدادات العالمية لهذه المواد الضرورية للتكنولوجيا المتقدمة. بينما أكد على أن إعادة فتح مشتريات فول الصويا، في حال تحققها، يمكن أن توفر مكسباً سياسياً كبيراً لترامب، كما نوه بأن لي تشنغ قانغ قد أفاد بأن الجانبين توصلا إلى توافق حول الفنتانيل، مما يُوحي بأن الولايات المتحدة قد ترفع أو تخفض التعريفة الجمركية التي فرضتها سابقًا للضغط على بكين لوقف تدفق الكيماويات الأولية.
توافق ينهي التصعيد مؤقتاً
ويرى الخبير الاقتصادي حسين القمزي، في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن العاصمة الماليزية كوالالمبور أصبحت محطة جديدة في مسار العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين. وقال: “فبعد أعوام من التصعيد المتبادل، الذي أطلق شرارته الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ ولايته الأولى، يلوح في الأفق الان ما يُسمّى بـ (توافق كوالالمبور)، وهو تفاهم مبدئي بين واشنطن وبكين يهدف إلى تهدئة الحرب التجارية الأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي منذ الحرب الباردة”.
جاء هذا التوافق بعد مفاوضات مطوّلة على هامش قمة “آسيان”، وأثمر عن اتفاق مبدئي لتمديد الهدنة التجارية ومعالجة ملفات شائكة، منها الرسوم الجمركية والقيود التقنية وتصدير المعادن النادرة. كما أنه أوقف، في اللحظة الأخيرة، قراراً أميركياً كان سيضاعف الرسوم على الواردات الصينية إلى 100بالمئة، وهو ما كان سيشعل جولة جديدة من المواجهة الاقتصادية، ويؤشر هذا التطور إلى رغبة متبادلة في تجميد التصعيد مؤقتاً وتهيئة المسرح لاتفاق أوسع قد يُوقّع في قمة كوريا الجنوبية المرتقبة بين ترامب وشي جين بينغ، بحسب تعبيره.
لكن هل يفتح توافق كوالالمبور هذا صفحة جديدة فعلًا؟ يجيب القمزي على التساؤل بقوله: “ربما نعم، لكن ليس بالضرورة طويلة الأمد. فالتوافق الحالي يُشبه هدنة استراتيجية أكثر من كونه اتفاق سلام تجاري. إنه محاولة لوقف النزيف الاقتصادي، خاصة في ظل الضغوط الداخلية على كلا الزعيمين – ترامب الباحث عن استقرار الأسواق قبيل الانتخابات النصفية، وشي الذي يواجه تباطؤاً اقتصادياً وتراجعاً في ثقة المستثمرين”.
إدارة الصراع الاقتصادي الجديد
ومع ذلك، لا يُخفي الخبراء أن جذور الصراع – من التكنولوجيا إلى الهيمنة الصناعية – لا تزال قائمة، ما يعني أن التنافس الاقتصادي بين القوتين سيستمر وإنْ أصبح أقل صخباً، طبقاً لما قاله القمزي.
وأضاف: “أما إطار الاتفاق الأميركي الصيني المنتظر، فيُرجَّح أن يُخفّف من حدة التوتر الاقتصادي العالمي لكنه لن يُنهيه، فمجرد أن تعليق الرسوم التصعيدية أعاد الثقة إلى الأسواق، ورفع مؤشرات آسيا وأميركا، وهدّأ أسعار المعادن والطاقة. لكنه في الوقت نفسه كرّس نموذج التفاهم الثنائي في الاقتصاد وليس قواعد منظمة التجارة العالمية. فالاتفاق لا يُعيد الانفتاح الكامل، بل يُعيد توزيع المصالح وفق معادلة جديدة: الولايات المتحدة تحصل على إمدادات مستقرة من المعادن الحيوية، مقابل تسهيلات تصديرية وتكنولوجية للصين”.
وعلى الصعيد الاقتصادي يشرح القمزي بأن “التوافق أنقذ سلاسل الإمداد العالمية من أزمة وشيكة، خصوصاً في قطاعات الرقائق الإلكترونية والسيارات الكهربائية التي تعتمد على المعادن الصينية. كما أنه أزال ضبابية كادت تُربك الاستثمارات العالمية في وقت تتباطأ فيه التجارة الدولية تحت ضغط النزاعات والحمائية. لكن، في المقابل، يرى مراقبون أن الاعتماد المفرط على تفاهمات ثنائية كهذه يضعف النظام التجاري المتعدد الأطراف ويُقصي منظمة التجارة العالمية من دورها كضامن لقواعد اللعبة”.
وخلص الخبير الاقتصادي القمزي إلى أن “توافق كوالالمبور ليس نهاية الحرب، بل بداية مرحلة جديدة من إدارتها بعقلانية. فواشنطن وبكين اكتشفتا أن التصعيد له حدود، وأن العالم لا يحتمل مزيداً من الحروب التجارية. غير أن الصفقة المرتقبة بين ترامب وشي لن تُعيد فقط رسم ملامح التجارة بين البلدين، بل ستؤسس لقواعد جديدة للعولمة تقوم على المصلحة المشتركة لا الانفتاح المطلق وعلى حرية تجارية أقل.
مكالمة ترامب وشي.. تفاؤل ظاهري وخلافات عالقة
نهاية حرب أم استراحة محارب
وفي حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جميل الشبشيري: “بعد أشهر من التصعيد المتبادل، تخفت لغة التهديدات بين واشنطن وبكين لتحل محلها (براغماتية) حذرة. فهل نحن أمام نهاية للحرب التجارية، أم مجرد استراحة محارب قبل جولة الصراع القادمة؟”.
وأضاف: “وفي منعطف حاسم يخطف أنفاس الاقتصاد العالمي، وضعت القوتان الأعظم، الولايات المتحدة والصين، أسلحة الرسوم الجمركية جانباً مؤقتاً وعادتا إلى طاولة الحوار. هذه الجولة الأخيرة من المفاوضات لا تمثل مجرد نقاش حول السلع والتعريفات، بل هي مؤشر على تحول أعمق في استراتيجيات الطرفين، حيث أدركا أن الاستمرار في المواجهة المفتوحة هو طريق محفوف بالخسائر للجميع، من سلاسل التوريد العالمية إلى جيوب المستهلكين في كلا البلدين”.
واللافت في هذه المفاوضات هو غياب اللغة التصعيدية التي سادت سابقاً، فتهديد الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية شاملة قد تراجع، وفي المقابل، أبدت الصين مرونة عبر تأجيل القيود المحتملة على تصدير المعادن النادرة، والتي تعد شرياناً حيوياً لصناعات التكنولوجيا المتقدمة. هذا التوازن الدقيق في التنازلات لا يعكس ضعفاً، بل “واقعية اقتصادية” جديدة تعترف بتشابك المصالح الحتمي وتشاطر المخاطر، هدفها تحقيق مكاسب ملموسة دون الظهور بمظهر المهزوم سياسياً، بحسب وصفه.
ومع ذلك، يشير الدكتور الشبشيري إلى أن ما وراء هذه “التهدئة التكتيكية” يكمن صراع أعمق وأكثر استراتيجية. تدور هذه المفاوضات في فلك تنافس واسع على الهيمنة الصناعية والتكنولوجية في القرن الحادي والعشرين. فبينما تسعى واشنطن لكبح جماح التنين الصيني في مجالات حيوية مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، تعمل بكين جاهدة على تحصين اقتصادها عبر تنويع أسواقها وتعزيز قدراتها الذاتية.
من هذا المنطلق، فإن أي اتفاق يتم التوصل إليه لن يكون نهاية للصراع، بل مجرد “هدنة اقتصادية” تتيح للطرفين التقاط الأنفاس وإعادة التموضع استعدادًا للجولة المقبلة، وفقاً للشبشيري.
البعد السياسي للصفقة
وأوضح أنه “لا يمكن إغفال البعد السياسي للصفقة. فالرئيس ترامب، الذي يواجه ضغوطًا داخلية متزايدة مع اقتراب موعد الانتخابات، يحتاج بشدة إلى انتصار يقدمه لناخبيه، خاصة المزارعين الذين تضرروا من تجميد صادرات فول الصويا. وفي المقابل، يسعى الرئيس شي لتثبيت صورة الصين كقوة عالمية مسؤولة تساهم في استقرار الاقتصاد العالمي، لا سيما في ظل التباطؤ الذي يواجهه النمو المحلي”.
إذاً.. هل يمكننا أن نتنفس الصعداء؟ يتساءل الخبير الاقتصادي الشبشيري ويجيب بنفسه: “ربما، ولكن بحذر شديد. فالأسئلة الجوهرية حول حقوق الملكية الفكرية، وأمن التطبيقات مثل “تيك توك”، ومستقبل تايوان، لا تزال قنابل موقوتة قد تعيد إشعال الخلاف في أي لحظة. ما نشهده اليوم ليس “سلامًا تجاريًا” شاملاً، بل هو تجميد مؤقت للصراع في انتظار تشكل ملامح النظام الاقتصادي العالمي الجدي”.
واختم بقوله: “لقد أحسنت واشنطن وبكين صنعاً باختيار لغة الحوار، لكن التحدي الحقيقي أمامهما وأمام العالم يكمن في إدارة التوازن المعقد بين التعاون والتنافس في العقود القادمة، فالعالم اليوم لا يحتمل حرباً تجارية جديدة، بل يتوق إلى عقلانية اقتصادية تعيد الثقة وتحفظ مصالح الجميع.
ماليزيا تفتح نافذة الهدوء بين واشنطن وبكين
