روكب اليوم
وضمن هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس مئير مصري، أن الحديث عن عفو محتمل ليس سابقة في السياسة الإسرائيلية، مستبعدا أن يكون له تأثير جوهري على مسار القضاء.
لكنه في الوقت نفسه لم يُخف – خلال مشاركته في برنامج مسار الأحداث، امتعاضه من تدخل ترامب، واصفا تغريداته بأنها لا تتجاوز استعراضا شعبويا يفتقر إلى الجدية، رغم ما تمنحه من زخم إعلامي للمسألة.
وداخل إسرائيل، لا يبدو المشهد القانوني أقل تعقيدا، فمحاكمة نتنياهو -المطلوب كذلك للمحكمة الجنائية الدولية– التي أُجلت لأسباب وُصفت بأنها أمنية، لا تزال قائمة، رغم ما نُقل عن وساطات سرية لإنهائها، كما أن القضاء رفض تأجيل شهادته إلى أجل غير مسمى، وأكدت النيابة العامة أن وقف المحاكمة لا يتم إلا بطلب رسمي لم يُقدَّم بعد.
قناعة سياسية
في تحليل أوسع، يرى الدكتور مهند مصطفى، الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية، أن تحرك ترامب لا يُفسَّر بدافع شخصي تجاه نتنياهو، بل يستند إلى قناعة سياسية مفادها، أن إنهاء الحرب في غزة يمر بتسوية قضائية ترفع عن نتنياهو أعباء المحاكمة.
ويشير في حديثه إلى برنامج “مسار الأحداث” إلى أن هذه القناعة دفعت ترامب إلى استخدام نفوذه بهدف الضغط على المؤسسة الإسرائيلية، حتى لو تطلّب الأمر التلويح بورقة المساعدات العسكرية كأداة ضغط في هذا المسار.
ورغم غرابة الطرح، يرى مصطفى، أن هناك تيارات داخل الحكومة الإسرائيلية تتعامل معه بواقعية، بل وربما بترحيب، في ظل تصاعد الخسائر وتعثر الحملة العسكرية.
ومن أبرز هؤلاء، بحسب تقديره، يظهر نتنياهو نفسه بوصفه الأكثر حرصًا على الخروج من الحرب بسيناريو سياسي آمن يعيد ترتيب الأوراق الداخلية قبل خوض أي استحقاق انتخابي قادم.
وينتظر أن تحسم زيارة مرتقبة لنتنياهو إلى واشنطن ملامح “المرحلة التالية”، سواء على صعيد الحرب أم ملف المحاكمة. فواشنطن، وفق المتحدثة باسم البيت الأبيض، تُكثف اتصالاتها مع تل أبيب، في وقت يستعد فيه نتنياهو للقاء ترامب ومسؤولين أميركيين على أمل إيجاد صيغة تحفظ ماء وجه الجميع.
ضغوط داخلية
وبينما تتصاعد وتيرة المباحثات، لا تغيب الضغوط الداخلية، حيث باتت أصوات بارزة من داخل المعارضة الإسرائيلية –مثل يائير لبيد وأفيغدور ليبرمان– تُجاهر بأن الحرب فقدت معناها، وأن لا إستراتيجية واضحة في غزة، بل ربما أصبحت عبئا على إسرائيل أكثر مما هي رصيد.
ورغم تأكيد مئير مصري على أن وقف القتال لا يُعد تنازلا، بل فرصة لـ”إعادة بسط السيطرة على غزة عقودا”، فإن تعليقاته تعكس عمق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، فرؤية الجيش والأجهزة الأمنية لما يجري في القطاع لا تتطابق بالضرورة مع طروحات التيار الديني القومي المتشدد.
بدوره، يوضح المسؤول الأميركي السابق توماس واريك، أن إدارة بلاده ترى في إنهاء الحرب فرصة لإعادة تشكيل المشهد السياسي في إسرائيل وفلسطين معا، لكنه يشير إلى أن العائق الحقيقي يتمثل في غياب توافق حول “اليوم التالي لغزة”، خاصة أن حركة حماس ترفض أي صيغة تُقصيها من المشهد كليا.
ومع أن تصريحات واريك تحمل نبرة تفاؤل حذرة، فإنه لا يخفي أن ترامب يحاول الاستثمار في ورقة نتنياهو لتحسين فرصه الانتخابية، تماما كما يفعل الأخير في الداخل الإسرائيلي، فكل منهما يحتاج الآخر، لكن كلٌ على طريقته.
وفي ظل هذا التداخل بين المصالح، يرى مهند مصطفى، أن صفقة وقف الحرب قد تمر على مرحلتين: الأولى عبر مقترح مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي يفتح نافذة لبدء مباحثات.
أما المرحلة الثانية، فتتمثل حسب مصطفى في وقف كامل لإطلاق النار بحلول نهاية عام 2025، يعقبه الذهاب إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل مطلع عام 2026، محمّلة بـ”إنجازات إستراتيجية” يعرضها نتنياهو على ناخبيه.