
روكب اليوم
Published On 29/10/2025
|آخر تحديث: 11:20 (توقيت مكة)
اختتم معرض الكتاب العربي “الديوان – البيت الثقافي العربي” الذي أقامته سفارة دولة قطر لدى ألمانيا، في قلب العاصمة الألمانية برلين التي تتشابك فيها الثقافات وتتداخل الأصوات. وشكل المعرض منارة للحوار ومنصة لتقديم الكتاب العربي كشريك معرفي أصيل.
وعلى مدار 3 أيام، من 24 إلى 26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، احتضن فندق إستربل النسخة الثالثة من معرض الديوان للكتاب العربي، تحت شعار بليغ: “في حضرة الكتاب تلتقي الثقافات وتزهر الحوارات”، بمشاركة نحو 100 دار نشر عربية وأجنبية.
لم يكن المعرض مجرد سوق للكتاب، بل مساحة حيوية للتفاعل الفكري، وهو ما أكده الدكتور لورنس الحناوي، مدير الديوان، في حديث خاص للجزيرة نت.
ويرى الحناوي أن الكتاب العربي، في مواجهة صخب العصر وانزياحاته، يمكن أن يكون ترياقا ثقافيا وأداة فاعلة لإعادة بناء جسور التفاهم، لا سيما بين الضفتين العربية والأوروبية. وأوضح أن اختيار برلين، بثرائها وتنوعها، يمنح هذا الحوار بعده الحيوي، محولا الكتاب العربي “من كيان معزول إلى جزء من حراك ثقافي مشترك”، وهو توجه يتقاطع مع رؤية قطر الوطنية 2030 التي تضع التنمية البشرية والثقافية في صلب اهتمامها.
الرواية والترجمة نافذة على العرب
شهد المعرض تركيزا لافتا على الترجمة والرواية الخليجية المعاصرة. ويوضح الحناوي أن هذا الاختيار يعكس تحولا في طريقة تعريف العرب بأنفسهم أمام العالم، بالانتقال “من السرد السياسي والتاريخي التقليدي إلى سرد إنساني متعدد الأبعاد”. فالترجمة تفتح جسرا معرفيا للقراء الأوروبيين، بينما تقدم الرواية الخليجية -وخاصة القطرية منها- “نافذة على الواقع العربي الحديث بكل تنوعه وغناه”.
وقد تجسد هذا الاهتمام في ندوتين بارزتين: الأولى، حلقة نقاشية حول “الرواية العربية المعاصرة في منطقة الخليج: الكاتبات في دائرة الضوء – نموذج الرواية القطرية”، والتي أقيمت في اليوم الأخير للمعرض، وتضمنت نقاشات معمقة حول تطور الرواية الخليجية، خصوصا القطرية، والعوامل المؤثرة فيها، مع تسليط الضوء على دور المرأة. والأخرى، محاضرة للبروفسورة الدكتورة نورة الخنجي، أستاذة الأدب والنقد الأدبي في جامعة قطر، والتي شهدت تفاعلا ملحوظا.
كما احتفى المعرض بالشعر كجسر بين اللغات والثقافات، من خلال جلسة نقاشية فريدة بعنوان: “من رمل سيلين إلى أرصفة برلين: حوارات شعرية بين الفصيح والنبطي والألماني”. واستضافت هذه الجلسة، التي أدارتها المستشرقة البارزة البروفسورة الدكتورة كلاوديا أوت، الشاعر القطري علي بن أحمد الكواري، والمترجم والأديب الألماني شتيفان فايدنر، والدكتور سرجون كرم. وركز النقاش على تحديات ترجمة الشعر، وأهمية نقل المعنى والمقصد، ونقد أثر الترجمات الإلكترونية.
الترجمة والشباب والأثر المؤسسي
لم يغفل المعرض التحديات التي تواجه الكتاب العربي في أوروبا. فقد خُصصت جلسة مهمة لمناقشة “الوضع الراهن للترجمة بين العربية والألمانية”، شارك فيها خبراء بارزون مثل الدكتور غونتر أورت، وسمير جريس، وشتيفان فايدنر، وليلى شماع. وحدد الدكتور الحناوي تحديين رئيسيين: نقص المترجمين المؤهلين ثقافيا ولغويا، ودرجة دعم المؤسسات العربية للترجمة، مؤكدا عمل الديوان كحلقة وصل لسد هذه الفجوة.
كما تناولت ندوة أخرى “أهمية إقامة معارض الكتاب في التبادل الثقافي الدولي وما يواجهها من تحديات”، بمشاركة السيد جاسم البوعينين (مدير معرض الدوحة الدولي للكتاب)، والسيد بشار شبارو (الأمين العام لاتحاد الناشرين العرب)، والدكتور محمد أغير أقجة (مدير معرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي)، والدكتور مصطفى السليمان (مدير مشروع كلمة للترجمة).
وفي مواجهة التحدي الرقمي وتغير عادات القراءة لدى الجيل الشاب، أكد الحناوي سعي الديوان لدمج التجربة الورقية مع عناصر تفاعلية رقمية وورش عمل ولقاءات مباشرة مع المبدعين، لخلق تجربة ثقافية شاملة تحفز الشباب على المشاركة كفاعلين أساسيين. وقد شهدت أروقة المعرض بالفعل توافدا للعديد من الأسر العربية المقيمة في ألمانيا مع أطفالهم، للاطلاع على كتب الأطفال المتنوعة التي حرص المنظمون على توفيرها.
ورفض الحناوي توصيف معارض الكتب العربية بأنها مجرد “احتفالات بلا أثر مؤسسي”، مؤكدا أن معرض الديوان يسعى لأثر مستدام يتجسد في الشراكات المهنية ومبادرات الترجمة. واستشهد بتوقيع اتفاقية تعاون ثلاثية بين دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، والديوان، ودار نشر “إيدشن أورينت” الألمانية، لإصدار كتب أطفال ثنائية اللغة في ألمانيا، كنموذج لهذا الأثر الملموس.
وفي ختام حديثه، لفت الحناوي إلى ملاحظة اهتمام ألماني متزايد بالأدب العربي الذي يقدم سرديات إنسانية واجتماعية، بعيدا عن التركيز التقليدي على السياسة، وهذا يعكس رغبة أوروبية في فهم العالم العربي من منظور إنساني أكثر قربا وحيوية.
