أصدرت جماعة نداء السلام اليوم الأحد بيانا حول الضربات الأمريكية على اليمن.
وجاء في نص البيان:”تواصل الولايات المتحدة الأمريكية عدوانها الإجرامي على بلدنا، دعماً للكيان الصهيوني الغاصب، وغيرة عليه ومشاركة له في جرائم الإبادة الجماعية التي ينفذها بحق إخوتنا في فلسطين المحتلة، متسببة بعدوانها الهمجي هذا في استشهاد أعداد كبيرة من المواطنين المدنيين الآمنين في منازلهم ومقرات أعمالهم، وملحقة بتعمد وقصد المزيد من التدمير للبنى التحتية التي كان بعضها قد تضرر نتيجة الحرب التي امتدت نحو عشر سنوات، وبعضها الآخر تعرض للتدمير الكلي جراء هذا العدوان الأميركي المباشر، كميناء رأس عيسى، وغيره من المرافق والمنشآت الحيوية.وعلى هذا النحو تدمر الولايات المتحدة الأمريكية ما أبقته الحرب الطويلة من مقومات الحياة في اليمن، وتقتل المدنيين العزل، دون رادع أخلاقي أو اعتبار إنساني، متذرعة بذرائع لا يقبلها عقل ولا منطق، تكشف طبيعتها العدوانية وتغولها وتوحشها، ونظرتها إلى البشر الذين يعتبرهم الصهاينة مجرد حيوانات، وتعتبرهم الإدارة الأمريكية أناساً سيئين، ما داموا يقاومون ظلمها وطغيانها، ويأبون الذل والخنوع.
هذه الإمبراطورية الغاشمة تأتي ببوارجها الحربية وطائراتها المسيرة وغير المسيرة وصواريخها، تأتي من وراء المحيطات إلى بحارنا وشواطئنا لتعتدي علينا، بحجة تهديد الملاحة الدولية. والمقصود هنا تهديد سفن الإمداد المتجهة إلى شواطئ فلسطين المحتلة، لتمويل المحتل الصهيوني بما يحتاجه من مواد غذائية وعلاجية ووقود ومواد عسكرية، في وقت يباد فيه العربي الفلسطيني في أرضه وعلى مدار الساعة، بكل وسائل الإبادة، من صواريخ طائرات وقذائف مدفعية ودبابات ورصاص وتجويع، وتدمر مدارسه ومستشفياته وكل وسائل الإسعاف الأولية الضرورية لإبقائه على قيد الحياة، فضلاً عن تدمير الأحياء السكنية بكاملها على رؤوس ساكنيها.
وسط هذا كله تأتي إلينا الولايات المتحدة الأمريكية لتعتدي على بلدنا، وتستكثر علينا مشاعر التعاطف مع إخوتنا الذين يبادون في فلسطين المحتلة، وترفض السماح لأي دعم لهم، سواءً بالكلمة أو بالفعل المسلح البسيط، الذي لا يمكن أن يبلغ مبلغ قوتها المسلحة وقدرتها على تدمير الشعوب والأوطان. ولا تطيق ولا تسمح لصوت واحد بأن يقول لا، أو حتى أن يتساءل عن عدالة وصواب ما تقوم به من مشاركة للصهاينة في إبادة شعب بكامله. فتلاحق كل من يستنكر الإبادة الجماعية في فلسطين المحتلة، وتعتقل وترحل الطلاب في الجامعات الأمريكية نفسها، وتقطع الدعم المالي لأعرق الجامعات هناك، لمجرد أن طلابها قد استنكروا فضائع ما يقوم به الصهاينة في فلسطين من إبادة، وتدمغهم بالتهمة الهزلية الجاهزة (معاداة السامية). أو ليس شعب فلسطين شعباً سامياً؟ أو ليس أكثر سامية وسمواً من شذاذ الآفاق، الذين اغتصبوا الأرض وشردوا الشعب، ولا يُعرف لهم أصل ولا انتماء؟
إزاء الإبادة الجماعية للشعب العربي الفلسطيني، وإزاء العدوان الأمريكي المتواصل على اليمن، الذي يقف شعبه مع إخوته الفلسطينيين، مؤازراً لهم بالشعور، وهو شعور عام يتوحد فيه اليمنيون كلهم دون استثناء، وبالكلمة التي ينطقون بها جميعهم، وبالفعل المسلح الممكن، الذي انفرد به حتى الآن مكون سياسي واحد من مكوناتهم، وكان الأولى بكل مكوناتهم أن تشارك بالفعل المسلح، كل منها بما يستطيع، لنصرة إخوتهم في فلسطين وللدفاع عن اليمن، ولو بصورة رمزية، إزاء ذلك كله نؤكد هنا، بأن غيرة اليمنيين على إخوتهم الفلسطينيين ومبادرتهم لدعمهم ليس أمراً جديداً، بل هو موقف مبدئي وسلوك مشهود، منذ عام 1948م، عام اغتصاب فلسطين، وحتى اليوم. وعائلات المقاتلين اليمنيين الذين هبوا في ذلك العام لنجدة إخوتهم في فلسطين، وينتشر البعض منها اليوم في فلسطين والأردن وسوريا، شاهدة على بسالة اليمني وغيرته ونجدته لإخوته في الدم والتاريخ والمصير الواحد.
فهل يتخلى اليمني اليوم عن موقفه، وقد بلغت المحنة أوجها وتجاوزت الإبادة الجماعية كل ما عرفه البشر في تاريخهم من جرائم، ووصل الأمر إلى استهداف الأرض اليمنية نفسها؟ هل يتخلى اليمني عن موقفه وعن واجبه تجاه إخوته الفلسطينيين، وهو الذي لم يقصر في واجبه من قبل؟ هل يمكن أن يفعل هذا لمجرد النكاية بأحد المكونات، الذي رغم اختلافنا معه ومع غيره من المكونات حول العديد من القضايا، لا يمكن إلا أن نبارك ما يقوم به من مساندة للشعب العربي الفلسطيني، الذي يباد أمام أنظارنا وأنظار العالم؟ فالعمل الصحيح عندما يأتي في وقته نقول عنه عملاً صحيحاً، والعمل غير الصحيح نقول عنه عملاً غير صحيح. ولا يجوز الخلط بينهما.
وإذا كانت المشاركة الفعلية لإخوتنا الفلسطينيين في محنتهم، غير متيسرة للبعض منا حتى الآن، فليس أقل من أن يستيقظ اليمنيون بكل مكوناتهم، ويدركوا بأنهم مستهدفون جميعهم وأن وطنهم أضحى مباحاً لكافة القوى الإقليمية والعالمية، ذات الطموحات التوسعية. وهذا يفرض عليهم أن يتوجهوا إلى التفاهم فيما بينهم والتوافق على بناء دولتهم الواحدة، دولة الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية والتبادل السلمي للسلطة، عبر صناديق الانتخابات. فلا مخرج لهم من محنتهم، إلا هذا المخرج. وقد عبرت جماعة نداء السلام عن رؤيتها لهذا المخرج، في (الرؤية الأولية لبرنامج الحد الأدنى الممكن للتوافق الوطني المنشود)، التي أوصلتها في تاريخ 18 مارس الماضي إلى المكونات السياسية اليمنية الرئيسية، مع رسالة تغطية لكل منها، ثم وجهتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى المكونات السياسية الكثيرة الأصغر حجماً، التي يصعب حصرها.
إن الإبادة الجماعية لإخوتنا في فلسطين المحتلة، والعدوان الأمريكي الغاشم على اليمن، ينبغي أن يشكلا حافزاً لكل اليمنيين، للتنادي لمواجهة الأخطار المحيطة بهم وببلدهم، والتصدي لها في جبهة داخلية موحدة ومتراصة. فالطريق الأمثل لسلامة اليمن واليمنيين هو في تسوية خلافاتهم الداخلية، والتوجه إلى طاولة الحوار لوضع أسس الدولة اليمنية القوية، دولة الشراكة الوطنية، دولة كل اليمنيين، دون استئثار أو انفراد أو إقصاء. منطلقين من حقيقة، يُفترض أنها قد أصبحت واضحة للجميع، بعد عقد من الزمن دُمر فيه اليمن ومُزق فيه شعبه، وهي أنه لا أحد يمكنه أن يساعد اليمنيين إذا لم يساعدوا أنفسهم، ولن يدافع أحد عن بلدهم إذا لم يدافعوا عنه جميعهم صفاً واحداً، كتفاً بكتف.
وهذا لا يعني أن تسقط بالتقادم الأخطاء التي ارتكبت والتي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، بل يعني تجميد خلافاتنا في هذا الظرف الصعب، الذي يُستهدف فيه بلدنا بالتدمير والتمزيق، حتى نعبر هذه المرحلة الحرجة، ثم ليحاسب بعضنا بعضاً بعد ذلك، ونحن في وضع أفضل، غير متوترين ولا منفعلين، وقد أضحى بلدنا في وضع مستقر آمن.
الخزي والعار للصهاينة المجرمين وشركائهم في الجرائم الإنسانية والإبادة الجماعية، من القوى الاستعمارية المتوحشة. والنصر لشعبنا العربي الفلسطيني في نضاله المحق العادل، والسلام والأمن والاستقرار لليمن ولكل أبنائه”.
جماعة نداء السلام – صنعاء، 20 أبريل 2025م