
- لا نريد خفضًا وهميًا لسعر الصرف يعيدنا إلى مربع الانهيار
- تحذيرات من ترك الريال في أيدي الصيارفة والمضاربين بدلًا من حضن الدولة
- مسؤول حكومي: الانقسام المستمر منذ 10 سنوات تسبب في “انفصام” شخصية الريال
- انتقاد لصرف رواتب كبار المسؤولين بآلاف الريالات وحرمان الموظف العادي من راتبه
- الجنيدي: وزارة الصناعة والتجارة مطالبة بقيادة غرفة العمليات الاقتصادية بفعالية
> وجه وكيل محافظة أبين لشؤون الموارد المالية د. علي محمد الجنيدي، رسالة هامة إلى دولة رئيس الوزراء سالم صالح بن بريك، بشأن الإصلاحات المالية التي يقودها وتشهدها الساحة اليوم، في ظل تعافي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
وقال الجنيدي: “دولة رئيس الوزراء سالم صالح بن بريك، أبعث إليكم برسالتي هذه وأنتم تخوضون معركة العلاج الصحي لتعافي الريال على كافة الجبهات، وإيصاله إلى مرحلة التعافي التام.
وكيل محافظة أبين لشؤون الموارد المالية د. علي محمد الجنيدي
أقول لدولتكم وأنتم تقودون هذه المعركة: دواء الريال من الداء الذي أصابه، وأعلم أن آخر العلاج الكي. لقد تعرض الريال منذ عام 2015 لحالة من الاعتلال والهزال والمسخ والانفصام النفسي جرّاء حالة الانقسام غير المسبوقة. وخلال السنوات الماضية، ظل الريال يعاني من نزيف حاد واستنزاف أشد، لا يفيق من انتكاسة حتى تعاوده أخرى، ولا يخرج من صدمة إلا وتداهمه التي تليها.
إن ما أنهك قواه هو انعدام التغذية الإيرادية المستدامة، حتى فقد قيمته تمامًا، واختفى من عقر داره ومركز علاجه وقوته، ليقع في أيدي تجار العملة والصيارفة، بيت الداء و”الكرش” المريضة التي لا تشبع من الجشع”.
ولفت الجنيدي إلى التحول المفاجئ للريال، قائلًا: “بقدرة قادر، تحول الريال من ملك الدولة إلى ملك الصرّاف. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الهدف من علاج وتعافي الريال هو إعادته إلى ملك وحضن الدولة ليقوم بكافة واجباته من رواتب ونفقات، أم إعادته إلى ملك وحضن الصيارفة والمضاربين؟ هناك فرق كبير يحدده مسار الإجراءات وترتبط به جميع النتائج؛ فإما أن يكون الريال ملكًا للشعب والدولة التي تنفذ الإصلاحات حاليًا، أو ملكًا للصراف”.
وأضاف: “السؤال الآخر: كيف وصل الريال إلى هذا السقوط وهذا الحضيض؟ ومن أوصله إلى ذلك؟ الإجابة على هذا السؤال هي التي ستحدد اتجاه بوصلة المعركة وإلى أين تتجه”.
وأكد الجنيدي أن خوض المعركة دون تحديد واضح لهدفها الأساسي، وهو عودة الريال إلى حضن البنك وملكية الشعب والدولة، يكشف عن وجود اختلال في رؤية الإصلاحات. وقال: “المراوحة عند سعر 420 ريالًا للدولار لا تدل على حرب شاملة وحاسمة، بل على مناورة. الجميع وقف متفرجًا، ولم يستطع تحريك ساكن، بينما الريال يتهاوى تحت طعنات وضربات المتربصين”.
وأشار إلى أن مدير البنك كان على علم بتلك الاختلالات قبل 16 عامًا، حين كان رئيسًا لمصلحة الضرائب، وتمت مراجعة مكتبه بشأن فوضى الموردين والاختلالات في عملية الربط الضريبي والتحصيل الإيرادي.
وشدد الجنيدي على أن الإصلاحات لا ينبغي أن تُمنح كـ “بطولات”، ولا أن تدخل في إطار المناكفات، بل يجب أن يتوحد الجميع تحت راية واحدة؛ لأنها، بقدر ما تمنح راية إدارة دفة المعركة لطرف، فإنها تدين أطرافًا أخرى. وأضاف: “لا بد من تحييد المتربصين بمسار الإصلاحات، ووقف تجاوزات الصيارفة، وكبح مقاومة التجار الشرسة”.
وختم بالقول: “ترياق علاج الريال لن ينجح إلا بالتشخيص الدقيق لكافة الأمراض التي يعاني منها، ظاهرًا وباطنًا، ومعرفة الأسباب التي أدت إلى تلك الأمراض، وفق نظم متبعة وكفاءات تؤدي مهامها على أكمل وجه. وألا يكون التشخيص والعلاج مجرد رد فعل لفعل آخر يساويه في المقدار ويضاده في الاتجاه. أما إذا دخلنا في نفق ردود الأفعال على طريقة (ضربني وبكى، وسبقني واشتكى)، فإن أي إصلاحات ستكون وهمية وذرًا للرماد في العيون”.
وأوضح الجنيدي أن الكشف الحقيقي والتحليل المالي الدقيق سيمنح الحكومة رؤية علمية واضحة لتحديد كافة الاختلالات الجوهرية، ومعرفة أسباب النزيف والاستنزاف، وكشف ما وصفه بـ”جيوش الجراثيم والميكروبات غير المنظورة بالعين المجردة” التي تسببت في هذه الأزمات والخسائر الباهظة.
وأضاف: “طالما أن الريال ظل مرتبطًا بالريال السعودي قولًا وفعلًا، فمن الضروري تقنين هذا الارتباط بأوثق العرى، وإلزام الجميع به من تجار ومسؤولين عن هذه الطامة التي عصفت بالاقتصاد”.
وشدد على أن وزارة الصناعة والتجارة تتحمل المسؤولية الكاملة عن إدارة غرفة العمليات الاقتصادية، وإعداد الخطط المسبقة والإجراءات المتكاملة، ومتابعة تنفيذ الأهداف، وتقييم النتائج، وتقديم التغذية الراجعة، فضلًا عن توفير الدعم اللوجستي وكافة المعلومات المطلوبة لخوض هذه المعركة.
وأكد الجنيدي أنه من الحكمة عدم ترك مديري المديريات والمكاتب، أو الموظفين الميدانيين، في العراء وهم يؤدون واجبهم في مواجهة ما أسماهم بـ”هوامير المال”، داعيًا إلى تفعيل الوعي وضمان التنفيذ بكل المستويات، واستبعاد كافة الطواقم السابقة الفاشلة باعتبار ذلك الركيزة الأقوى لنجاح الإصلاحات.
وحذر من أن أي خفض وهمي لسعر الصرف سيقود إلى الهزيمة، قائلاً: “إذا نزل الصرف من 800 إلى 420 بينما تُخفَّض الأسعار بتحايل إلى مستوى 600، فهذا هو أساس الانهيار”. وطالب بعدم التهاون مع المستغلين لوضع ضعف الدولة، مع إلزامهم بالعودة إلى جادة الصواب “من وعيهم وضميرهم وأخلاقهم دون المساس بحقوقهم”.
وأشار إلى أن الانقسام الذي عاشه الريال منذ عشر سنوات أدى إلى “انفصام حقيقي” في شخصيته، مؤكدًا أنه لا يمكن للعملة أن تعيش بشخصيتين. وقال: “امتناع بعض الجهات عن تحصيل الإيرادات وتوريدها إلى البنك ساهم في تدهور الريال، كما أن الإجراءات الخاطئة أو المؤقتة أضعفت جهازه المناعي وأفقدته القدرة على مواجهة التحديات”.
كما انتقد اقتسام الدعم الموجه للريال قبل وصوله لتعزيزه، وصرفه على نفقات وهمية ومجحفة، معتبرًا ذلك من أسباب العجز والتدهور. وأردف: “لا يعقل أن يتسلم وزير أو نائب وزير أو وكيل، محسوب على طرف أو تيار سياسي، راتبه الشهري بكراتين من ورق الآلاف، بينما الموظف العادي لا يحصل على راتبه الذي لا يتعدى بضع عشرات من الأوراق”.
واختتم بالتأكيد على أن ضمان دورة الريال ودخوله وخروجه عبر البنك وفق خطة ناجعة هو أحد مفاتيح النجاح في هذه المعركة، وأن تفعيل أجهزة المراقبة والمحاسبة والقضاء كسلاح ردع سيكون الفيصل في مواجهة المتلاعبين وإعادتهم إلى الطريق الصحيح، مشددًا على ضرورة إعادة النظر في تفعيل أنظمة الحماية والردع.