قرية الولجة.. سلة غذائية في وجه مشروع القدس الكبرى | الموسوعة


روكب اليوم

قرية الولجة واحدة من أقدم القرى الفلسطينية، تبعد نحو 8 كيلومترات جنوب غرب مدينة القدس، و4 كيلومترات شمال غرب مدينة بيت لحم. سيطر الاحتلال الإسرائيلي على أراضيها -التي كانت مساحتها قبل النكبة تزيد على 17 ألف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع)- ولم يبق منها سوى 3 آلاف دونم حتى عام 2025.

استقر جزء من أهلها على بعد بضعة كيلومترات من أراضيهم المهجرة، وأسسوا ما صار يعرف لاحقا باسم “الولجة الجديدة”.

الموقع

كانت قرية الولجة قبل نكبة 1948 تمتد على تل مرتفع يبعد نحو 8 كيلومترات جنوب غرب مركز مدينة القدس، وحوالي 4 كيلومترات شمال غربي مدينة بيت لحم، على ارتفاع يقارب 750 مترا فوق سطح البحر.

في القرن التاسع عشر ازدهرت القرية بمحاصيلها الزراعية، وشكلت سلة غذائية للقدس ومحيطها، بفضل وفرة مياهها المتدفقة، وخصوبة أراضيها المزروعة بمحاصيل مختلفة.

وشهدت القرية تطورا ملحوظا مع إنشاء سكة الحديد التي ربطت القدس بالساحل الفلسطيني، ومرت عبر أراضيها، مما أسهم في اتساع رقعتها العمرانية وتعزيز طابعها البنائي بالحجارة والإسمنت.

ويروى في الموروث الشعبي أن اسم “الولجة” اشتق من موقعها الإستراتيجي المحاط بالجبال، والذي جعل منها ممرا طبيعيا لعابري السبيل، إذ كانوا يلجون عبرها، أي يدخلون منها، فسميت الولجة بمعنى المدخل.

تحد القريةَ من الشرق قريتا شرفات والمالحة، ومن الشمال عين كارم، ومن الشمال الغربي صطاف، ومن الغرب بتير، ومن الجنوب الغربي القبو، ومن الجنوب الخضر. وقد بلغت مساحة أراضيها قبل الاحتلال حوالي 17 ألف دونم ونصف الدونم.

مع اندلاع النكبة عام 1948 استولى الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من 70% من أراضي الولجة، ثم استكمل السيطرة على معظم ما تبقى منها بعد نكسة 1967.

ورغم التهجير القسري الذي دفع أهالي القرية إلى الهجرة نحو الدول العربية ومناطق فلسطينية مجاورة، فإن جزءا منهم استقر على بعد بضعة كيلومترات جنوب شرق قريتهم الأصلية، وأسسوا ما بات يعرف لاحقا بـ”الولجة الجديدة”، وكان ذلك بدعم من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي وفرت لهم مأوى داخل حدود الضفة الغربية، ضمن محافظة بيت لحم.

بعد نكسة 1967 أحكم الاحتلال طوقه الاستيطاني على القرية، فأقام مستوطنتي “غيلو” و”هار غيلو” على أراضيها الشرقية والجنوبية الشرقية، ثم فصل المستوطنات وما تبقى من أراضي القرية عبر طرق التفافية تخدم المستوطنين فقط، قبل أن يعزز السيطرة ببناء جدار الفصل الإسرائيلي الذي ضم مساحات واسعة من أراضي الولجة إلى حدود بلدية الاحتلال في القدس.

نتيجة لذلك لم يتبق للقرية سوى منفذ وحيد من الجهة الشمالية، يتحكم به الاحتلال عبر حاجز عسكري مقام في عمق أراضيها، فيعرقل حركة سكان القرية ويقيد تنقلهم.

المستوطنات الإسرائيلية تحيط بقرية الولجة وتهدد ما تبقى من أراضيها (الجزيرة-أرشيف)

السكان

فاق عدد سكان الولجة قبل اندلاع النكبة 1910 نسمة، موزعين على حوالي 300 منزل، وكان معظمهم مسلمين، وارتبطت حياتهم بشكل وثيق بالزراعة التي شكلت عماد اقتصادهم، فقد شغلت الحبوب والبساتين ما زاد على 8 آلاف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع) من أراضيهم.

أما الولجة الجديدة التي أُسّست بعد النكبة فيقدر عدد سكانها بحوالي 3 آلاف نسمة، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2025، وتقطنها 4 عائلات كبيرة، وهي: الأعرج والحجاجلة وعبد ربه والوهادنة.

ورغم حرص سكانها على التعليم، فإنهم يعانون من نقص حاد في البنية التحتية والخدمات الأساسية، إذ تضم القرية مدرستين فقط بصفوف دراسية محدودة، إحداهما أنشأتها وكالة الأونروا، ولا تكفي لاستيعاب أعداد الطلاب المتزايدة، مما يضطرهم إلى الالتحاق بمدارس مدينة بيت لحم لمواصلة تعليمهم.

معالم تاريخية

اتسمت مباني قرية الولجة بطابع عمارة تقليدي، بني من الحجارة والطوب والإسمنت، وكانت منازلها متقاربة تفصلها أزقة ضيقة ومتعرجة، تعكس النسيج الريفي الفلسطيني القديم.

تشكلت ملامح القرية من مجموعة من المحال التجارية البسيطة، إلى جانب الآثار التاريخية مثل المدرجات الزراعية، والحمامات التي يعتقد أنها تعود للحضارة الرومانية.

كما أنها احتوت مسجدا عرف باسم مسجد الأربعين، عمل على تعليم الأطفال القراءة والكتابة إلى جانب أداء الصلوات، وكان ذلك قبل افتتاح مدرسة ذكور أساسية في القرية.

ورغم تدمير الاحتلال للولجة، بقيت بعض معالمها قائمة، ومن أبرز ما بقي منها:

تزخر القرية بنحو 18 عين مياه، ومن أبرزها عين الحنية التي كانت تشكل متنفسا طبيعيا للفلسطينيين، ومصدرا رئيسا لخدمة المزارعين والرعاة.

خصصت سلطات الاحتلال منذ عام 2016 أكثر من 14 مليون شيكل إسرائيلي (نحو 4 ملايين دولار) لتحويل العين والمنطقة المحيطة بها إلى “حديقة وطنية” تحت إدارة “سلطة الطبيعة” الإسرائيلية.

ولتنفيذ المخطط نقلت حاجز الولجة العسكري إلى موقع أقرب من القرية، مما فصل العين عن أراضي الولجة، وقيد وصول الأهالي إليها، بينما خصصت المنطقة لاستجمام المستوطنين وترفيههم.

بقي في محيط العين ركام 3 منازل تعود لعائلة الصيفي التي هجرت من الولجة في نكبة 1948.

وتتدفق مياه العين في بركة يعتقد أنها شكلت في الفترة البيزنطية جزءا من كنيسة نسبت لأحد الحواريين، وهي لذلك تعتبر بقعة مقدسة لدى المسيحيين أيضا.

  • نفق عين الجوزة

يمر في القرية نفق مائي محفور في صخورها يعرف باسم نفق عين الجوزة، وهو من أكبر أنفاق عيون المياه في الريف الفلسطيني، ورغم التقديرات التي تنسبه للعصر الحديدي فإن نظام الري المستخدم فيه يعتقد أنه أقدم من ذلك.

  • شجرة زيتون معمرة

تحتوي القرية على واحدة من أقدم أشجار الزيتون الفلسطينية، ويقدر عمرها بنحو 3500 عام.

جزء من الجدار الإسرائيلي الفاصل بين الولجة والقدس (الجزيرة-أرشيف)

احتلال الولجة

في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1948 هاجمت عصابات إسرائيلية قرية الولجة، إلا أن مجموعة من الجنود المصريين غير النظاميين صدوا الهجوم إلى جانب الفلسطينيين، مما أفشل محاولات احتلال القرية في تلك المرحلة.

وقع الأردن في أبريل/نيسان 1949 اتفاقية هدنة مع إسرائيل، منحت على إثرها قرية الولجة للاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب قرى بيت صفاف وبتير والقبو.

وفي أعقاب ذلك ضم الاحتلال نحو 70% من أراضيها إلى سيطرته، وأنشأ على جزء منها مستوطنة “عمينداف” عام 1950، فلم يبق من مساحتها سوى 6 آلاف دونم.

هاجر المقدسيون من قريتهم، وانتقل جزء منهم إلى منطقة قريبة أسسوا فيها ما عرف لاحقا بـ”الولجة الجديدة”.

عقب نكسة 1967 وسع الاحتلال سيطرته لتشمل نحو 50% من الأراضي المتبقية من الولجة، وأنشأ عليها مستوطنتي “غيلو” عام 1971، و”هار غيلو” عام 1972.

كما شقت سلطاته شارعا اخترق أراضي القرية المهجرة لتسهيل حركة المستوطنين، وطوقها بجدار الفصل العنصري، مما قلص أراضيها إلى نحو 3 آلاف دونم، مع بقاء منفذ واحد للقرية نحو الخارج من الجهة الشمالية.

وبموجب اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1995، صنف ما يزيد على 99% من أراضي الولجة ضمن مناطق “ج”، وهي مناطق تخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، ويمنع البناء عليها من دون الحصول على تصريح من السلطات الإسرائيلية التي ترفض منحه غالبا.

مشروع القدس الكبرى

في إطار مشروع القدس الكبرى الاستيطاني الذي يهدف إلى توسيع حدود المستوطنات المحيطة بالقدس، تسعى السلطات الإسرائيلية إلى السيطرة على قرية الولجة كلها، وتهجير سكانها.

إذ يشكل موقعها الإستراتيجي نقطة محورية لتعزيز الكتل الاستيطانية المحيطة بالقدس، والتي تعرف بـ”مستوطنات الطوق”، بهدف فرض سيطرة إسرائيلية أوسع وغلبة يهودية أكبر.

ولتحقيق ذلك نفذ الاحتلال سلسلة من المشاريع الاستيطانية في أراضي الولجة، كان من أخطرها:

أعلنت بلدية الاحتلال في القدس بنهاية عام 2017 نيتها نقل حاجز الولجة الذي يقع على الجهة الشمالية من القرية.

هيأت السلطات لهذا المشروع عبر هدم أكثر من 14 منزلا فلسطينيا في المنطقة المحاذية للحاجز بين عامي 2020 و2024، ثم نقلته عام 2025 كيلومترين جنوبا باتجاه أراضي القرية.

حرم المشروع سكان الولجة من الوصول إلى نحو 1200 دونم من أراضيهم الزراعية، كما منعهم من الاستجمام في عين الحنية، التي باتت تقع ضمن السيطرة الإسرائيلية بعد نقل الحاجز.

يشكل الحاجز المنفذ الوحيد لسكان القرية، ولذلك يستغله الاحتلال في تقييد حركتهم، مما يؤثر سلبا على حياتهم الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال، أغلق الاحتلال الحاجز مدة أسبوعين عقب عملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

تعاني قرية الولجة منذ سبعينيات القرن الماضي من سياسات ممنهجة لهدم المنشآت الفلسطينية، إذ أصدرت سلطات الاحتلال بين عامي 1982 و2014 نحو 100 أمر هدم لمنازل في القرية، كما هددت نحو 70 منشأة أخرى بين عامي 2018 و2025.

وفي عام 2024 هدمت نحو 24 منزلا، إلى جانب 40 منشأة بين عامي 2016 و2022.

ويزعم الاحتلال أن المنازل المهدومة بنيت من دون تراخيص، إلا أن محاولات السكان للحصول على هذه التصاريح غالبا ما تواجه رفضا إسرائيليا متكررا، نتيجة لغياب مخطط هيكلي معتمد للقرية.

رفع أهالي القرية عام 2016 قضية جماعية شملت 38 حالة تهديد بالهدم إلى محاكم الاحتلال، بهدف إجبار السلطات على وضع مخطط هيكلي، مما قد يسهل إصدار التراخيص ويمنع قرارات الهدم، إلا أن المحكمة رفضت ذلك وأجلت البت في القضايا مرات عدة.

وفي عام 2022 طالب 50 نائبا ديمقراطيا أميركيا وزير الخارجية الأميركي آنذاك أنتوني بلينكن بوقف تهجير 38 عائلة فلسطينية من الولجة جراء تهديدات إسرائيل بهدم منازلهم، مؤكدين أن تلك الإجراءات تقوض كرامة الفلسطينيين وفرص إحلال السلام.

  • بناء المستوطنات

تحقيقا لمشروع القدس الكبرى وإحاطة المدينة المقدسة بطوق من المستوطنات الممتدة، أقرت “اللجنة اللوائية للبناء والتنظيم” الإسرائيلية عام 2021 إنشاء 700 وحدة استيطانية جديدة على أراضي الولجة.

وتعود بدايات النشاط الاستيطاني في القرية إلى ما بعد النكبة، حين أقامت سلطات الاحتلال على أراضيها مستوطنة “عمينداف” عام 1950.

ثم في عام 1971، أنشأ الاحتلال مستوطنة “غيلو” على أراضي الولجة وبيت جالا وشرفات وبيت صفافا التي احتلها بعد النكسة، وامتدت على مساحة تقدر بنحو 3 آلاف دونم.

وبعد ذلك بعام شرع الاحتلال ببناء مستوطنة “هار غيلو” على أراضي الولجة وبيت جالا، على مساحة بلغت 400 دونم. ثم وضع مخططات لتنفيذ توسعة على “هار غيلو” تشمل إنشاء وحدات ومرافق إضافية، إلى جانب طرق التفافية تربطها مع “غيلو ” المجاورة، ومستوطنات شمال القدس وجنوبها، ومستوطنات بيت لحم، مما يعزز السيطرة الإسرائيلية على محيط القدس ويعمق عزل الولجة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Enable Notifications OK No thanks