








تبكي وهي تسرد معاناتها عبر اتصال هاتفي عانيت وتوقعت وأنا أرى أن طفلتي ستواجه مجتمع قاسي وقوانين لا ترحم قصة أم هبه معاناة موجعة وقصةمؤلمة. انفصلت أم هبة عن زوجها بعد إنجاب طفلتها لصعوبة العيش معه، رفض الأب استخراج شهادة ميلاد للطفلة، تاركًا الأم في معاناة مستمرة، وعندما رغبت الأم بالسفر، منعت من اصطحاب ابنتها لعدم وجود هوية أو إذن من الأب الذي لا أثر له.
اضطرت الأم لإضافة ابنتها إلى جواز سفرها وتمكنت من الخروج من اليمن، لكن عند رغبتها في استخراج جواز جديد للطفلة بعد بلوغها السن القانونية، رفضت السفارة اليمنية دون موافقة الأب. اليوم تكبر الطفلة في الغربة لاجئة، بلا هوية أو شهادة ميلاد، في ظل قانون يسمح بالتمييز، وفقدت الأم الإنسانية والضمير في تطبيقه.
ورشة العمل سردت قصصًا وحالات إنسانية موجعة، أوضحت حجم المعاناة التي تواجهها النساء نتيجة منعهن من السفر مع أطفالهن. بسببب أب لا يرحم وجد قاسي.
جاءت شهادة أم هبة ضمن شهادات كثيرة في ورشة إعداد تقرير “الظل الخاص” بتنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي نظمها الائتلاف المدني الحقوقي والنسوي (كارف) بالتعاون مع مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في اليمن، بحضور مدير مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان أحمد سليمان والخبيرتان في قضايا المرأة وحقوق الإنسان القاضية إشراق المقطري والمحامية الحقوقية والناشطة السياسية عفراء حريري وعدد من منظمات المجتمع المدني من عدن ومأرب والمهرة وتعز وحضرموت
عُقدت الورشة أعمالها في ظل غياب اللجنة الوطنية للمرأة، حيث بدا مقعدها خاليًا على المنصة.
وأوضحت الورشة أن النساء في اليمن يواجهن قيودًا قانونية واجتماعية عديدة تمنعهن من السفر مع أطفالهن دون موافقة الأب أو الجد، حتى في الحالات الطارئة، وحتى لو كان الأب غير معيل للأسرة ولا يهتم بأطفاله. ومع ذلك، يمنحه القانون الحق في منع أبنائه من السفر مع والدتهم، حتى لو كان السفر لغرض العلاج.
إن حرية التنقل ليست ترفًا، بل حقٌّ أصيل تكفله القوانين والمواثيق الدولية، ومنع المرأة من السفر مع أطفالها هو إعاقة لإنسانيتها وانتقاص من مكانتها كشريكة في الحياة لا تابعة فيها. فتمكين المرأة من السفر بأمان مع أطفالها هو تمكين للأسرة كلها، وبناء لمجتمعٍ يقوم على العدالة لا الهيمنة.
صحيفة “الأيام” التقت بعددٍ من قيادات المجتمع المدني، ومحامين، وإعلاميين لتسليط الضوء على هذه القضية.
المحامية والناشطة الحقوقية والسياسية تهاني الصراري أيدت أهمية وجود آلية إشراف قضائي تُنظم السفر بدلًا من المنع المطلق، مؤكدة أن هذا المنع يخالف مبدأ الشرعية الدستورية ويشكّل تقييدًا تعسفيًا لحرية التنقل المكفولة في الدستور اليمني.
وترى أن الإشراف القضائي يضمن رقابة حقيقية، ويحوّل المنع إلى إجراء استثنائي مشروط بقرار قضائي مسبب ومحدد المدة، وليس أداة إدارية تُستعمل للضغط أو الانتقام من المرأة.
واقترحت الصراري عددًا من التعديلات القانونية والإجرائية لضمان حق المرأة في السفر مع أطفالها، منها: منح القاضي المختص وحده سلطة الفصل في النزاع حول السفر خلال مدة لا تتجاوز 48 ساعة واعتماد مبدأ مصلحة الطفل الفضلى المنصوص عليه في اتفاقية حقوق الطفل كمعيار ملزم وإلغاء أي نصوص أو ممارسات تشترط إذن الولي للسفر أو إصدار الجواز واعتماد تدابير بديلة عن المنع مثل الكفالة أو الرقابة القضائية المؤقتة.
وأوضحت الصعوبات التي تواجه المحامين أثناء الدفاع عن النساء في مثل هذه القضايا، أبرزها: غياب الآلية القضائية السريعة وهيمنة القرار الإداري غير المسبب، وضعف الوعي القانوني وتأثر بعض القضاة بالأعراف الاجتماعية، بالإضافة إلى انقسام السلطات في البلاد.
وأكدت الصراري أن هذا المنع يتعارض مع الدستور اليمني (المواد 24 و41 و57) ويشكل انتهاكًا للحقوق الدستورية وخرقًا للحرية الشخصية، كما يتعارض مع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”.
حمامة عثمان الصنوي من الإدارة العامة للمرأة – مكتب رئاسة الجمهورية اليمنية أوضحت أن الأب هو الوصي القانوني وفقًا لقوانين الأحوال الشخصية، مما يشترط موافقته على سفر القاصر، وتلعب الأعراف الاجتماعية دورًا في ترسيخ هذا المفهوم.
حمامة الصنوى
وأضافت: “رغم محدودية النجاح بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية، ساهمت المبادرات في إبقاء القضية حية قانونيًا وإعلاميًا، مع مبادرات محلية ومرافعات فردية وحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن غياب قاعدة قانونية موحدة حال دون تأثير أوسع”.
وأكدت الصنوي على ضرورة تشكيل تحالف وطني واسع يجمع منظمات حقوق المرأة والطفل، محامين، ونشطاء مدنيين، لجمع وتوثيق الحالات والضغط القضائي والتشريعي لتعديل إجراءات سفر القصر، وتنفيذ حملات توعية مجتمعية تشمل القيادات الدينية والاجتماعية، وتفعيل الشراكات الدولية وقالت في رسالتها للجهات الرسمية والمجتمع عامة ضعوا مصلحة الطفل فوق كل اعتبار، فلا تجعلوا العادات والتقاليد أو الممارسات الخاطئة تحول دون حق إنساني وقانوني مشروع للأم والطفل معًا.
مها عوض رئيسة مؤسسة وجود للأمن الإنساني أكدت أن الأسباب الحقيقية وراء استمرار منع المرأة من السفر بأطفالها دون إذن الأب أو الجد هي الذكورية الأبوية – المتجذرة في العادات والأعراف الاجتماعية التمييزية ضد المرأة مما يساهم في اختلال التوازن في السلطة في العلاقات الزوجية واتخاذ القرارات، كما في هذه الحالة يتمتع الأب فقط بحق الوصاية على أطفاله. وبعد الطلاق، يظل الأب الوصي القانوني على الأطفال. هذا يعني أن الأب سلطة اتخاذ القرار بشؤون الأطفال القاصرين، بما في ذلك السفر.
مها عوض
وأكدت عوض على ضرورة أن تلعبه منظمات المجتمع المدني دورا مهما في معالجة هذه الإشكالية.
وقالت:”لابد من تكثيف حملات المناصرة، بما في ذلك إجراء دراسة من الواقع الاجتماعي والأسري التي من شأنها أن تفيد في المناصرة”.
وأضحت:”حاليا لا توجد مبادرات لكن هناك منظمات تقدم المساعدة للمرأة التي تواجه هذا الأمر وفعلاً تمكنت من تحقيق نجاحات”.
وأشارت إلى أن من الصعوبات التي تواجهها أثناء الدفاع عن النساء في مثل هذه القضايا كثيرة أهمها البيئة الاجتماعية والثقافية التي تحظر الخوض في هذه القضايا ولا سيما تلك التي تفاقمها النزاع المسلح المستمر والاضطرابات السياسية وانعدام الأمن إلى جانب تصاعد الخطاب الديني المتطرف ضد حقوق المرأة والمنظمات العاملة على حقوق المرأة”.
وقالت:”من الضرورة بناء تحالف أو خلق ضغط مدني لتغيير هذا الواقع من خلال رفع الوعي إيجاد صوت موحد وعمل جماعي ويجدر إشراك الرجال والشباب – ومنهم في مواقع السلطة وصنع القرار”.
الإعلامية حنان فضل ترى أن المنع يعود إلى القوانين الصارمة والتمييز بين الرجل والمرأة، حيث يُترك دور الأم محصورًا بالتربية وشؤون الأسرة، فيما يبقى السفر مع الأطفال مشروطًا بإذن الأب أو الجد.
حنان فضل
وترى أن الإعلام يلعب دورًا محوريًا في رفع الوعي وتسليط الضوء على قصص واقعية لنساء واجهن تحديات في السفر.
وتؤكد الإعلامية دنيا حسين فرحان أن العديد من الأمهات المنفصلات يُمنعن من السفر مع أطفالهن رغم أهمية السفر، سواء للعلاج أو العمرة، وأن بعض النساء يلجأن لطرق غير قانونية في حالات نادرة، ما يؤدي إلى مشكلات لاحقًا مع الأب أو الأسرة، الأمر الذي زاد تشديد الإجراءات مؤخرًا.
وترى أن الحل يكمن في تعاون القانون مع الأم الحاضنة ووضع ضوابط عادلة للسفر بما يضمن حقوق الأطفال والطرفين.
دنيا حسين
وقالت :”حركة المنع تؤثر سلبا على نفسة الطفل الذي يري والدته في موقف الضعف”.
ولمعرفة الأثر النفسي توضح لهذه المشكلة تقول مسؤولة الصحة النفسية في قطاع الطب العلاجي أماني خالد نبيه، إن منع الأم من السفر مع أطفالها يؤثر نفسيًا على الأم والطفل معًا، ويولد شعورًا بالقلق والعجز لدى الأم، ويؤثر على الأمان النفسي للأطفال، مما يؤدي إلى ضعف شخصيتهم مستقبلًا.
وتؤكد ضرورة مراعاة الأبوان الجوانب النفسية للأطفال بعيدًا عن الانتقام أو محاولة السيطرة، لضمان نشوء أطفال أسوياء واثقين قادرين على التأثير في المجتمع.
ويشير محمد معاوية منسق مشروع التنوع والشمولية لأشخاص ذوي الإعاقة مؤسسة الباحث اجتماعي للتنمية.
المنع لم يوثر فقط على المرأة اليمنية بل أيضا طال المرأة اللاجئة وتسبب لها بعرقلة سفرها مع أطفالها للعودة لوطنها.
محمد معاوية
مشيرا إلى أن الأسباب الحقيقية للمنع تعود إلى تداخل الأعراف الاجتماعية والقوانين المحلية، حيث تمنح السلطة للوالد أو الجد، ما يجعل المرأة بحاجة لإذن الرجل حتى لو كانت حاضنة أو لديها أسباب إنسانية للسفر.
ويضيف أن الإجراءات غالبًا مشتقة من الأعراف الاجتماعية وتُطبق أحيانًا كقرارات رسمية، مع تعامل متشدد من الجهات الأمنية.
كما يعاني اللاجئون والأمهات في الخارج من قيود إضافية، حتى في الحالات الطارئة، وقد تم توثيق ذلك من قبل منظمات حقوقية، سميحة عمر ياسين مدير عام تعليم وتدريب الفتاة – ديوان عام التعليم الفني والتدريب المهني توضح أن الأمهات يواجهن صعوبات قانونية وإدارية، حتى وإن كن الحاضنات الفعليات، وأن هذا يمثل انتهاكًا لحقوق المرأة والطفل معًا.
وتؤكد بأن دور منظمات المجتمع المدني يتمثل في الرصد والتوثيق، و المناصرة القانونية والتوعية المجتمعية وتقديم الدعم القانوني والنفسي الشراكة والتنسيق”.
سميحة عمر
وتشير إلى أن المبادرات السابقة كانت محدودة وموسمية، لكن ساعدت في رفع الوعي المجتمعي، وتمهد الطريق لبناء ضغط مدني أوسع نحو تحالف مدني للتغيير وإنشاء تحالف وطني مدني للدفاع عن حق الأم في السفر، وإطلاق حملة وطنية موحدة تحت شعار: “الأم تسافر بحب لا بإذن وربط القضية بالتزامات اليمن في اتفاقية سيداو واتفاقية حقوق الطفل”.
توجه سميحة رسالتها إلى الجهات الرسمية والمجتمع عامة قائلة:”تمكين الأم من حقها في السفر واجب قانوني وإنساني يحمي الأسرة ويخدم الطفل.و دعم حق الأم في السفر مع أطفالها هو دعم للأسرة والعدالة والأجيال القادمة”.
فاطمة محمد يسلم تشير إلى أن قانون حماية الطفل يركز على المصلحة الفضلى للطفل، لكن قانون الأحوال الشخصية يفرض موافقة الأب على سفر الطفل مع الأم، وهو ما يمثل إجحافًا بحق الأم الحاضنة.
وترى أن الإجراءات في الهجرة والجوازات تحتاج لإعادة نظر مع وضع ضوابط عادلة للطرفين.
وقالت إن قضية منع الأم من السفر مع أطفالها ليست مجرد مسألة قانونية أو إجرائية، بل قضية إنسانية تمس كرامة الأسرة وحقوق الطفل والمرأة معًا. من خلال شهادات المحاميات والناشطات والإعلاميات والمتخصصين النفسيين، يتضح أن التحديات القانونية والاجتماعية المتداخلة تترك النساء في مواجهة صعوبات يومية، وتنعكس على الأمان النفسي للأطفال واستقرار الأسرة.
وتابعت:”إن تمكين المرأة من السفر مع أطفالها وفق ضوابط عادلة، واحترام دورها كحاضنة ومسؤولة، لا يقلل من سلطة الأب، بل يعزز مصلحة الطفل الفضلى ويضمن توازن الأسرة والمجتمع ويتطلب ذلك تعاونًا بين الجهات الرسمية، المجتمع المدني، الإعلام، والمؤسسات الحقوقية، لتوفير حلول عملية قائمة على العدالة والمساواة.
في زمن تتسع فيه الآفاق، ما زالت المرأة تُقيَّد في أبسط حقوقها، وهو حقها في السفر مع أطفالها إلا بموافقة الزوج.
قيدٌ ظاهره نظام، وباطنه ظلم، يعطل حياة أسر، ويكسر قلوب أمهات، ويزرع الخوف في عيون الأطفال.
اشتراط الإذن للسفر لا يحمي الأسرة كما يُقال، بل يعمّق الفجوة بين أفرادها، ويجعل من قرارٍ بسيط وسيلةَ سيطرةٍ وانتقام.
دعونا نرفع أصواتنا لنقول: حرية الأم في السفر مع أطفالها ليست تحديًا للرجل، بل دفاعًا عن كرامة الأسرة، وعن حق كل إنسان في أن يعيش بكرامة وأمان.