
روكب اليوم
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، شغل منصب المرجعية الدينية الأعلى للمسيحيين الأرثوذكس في سوريا، ويُعد أرفع شخصية كنسية مسيحية في البلاد. يحمل الترتيب 158 في سلسلة بطاركة الكرسي الأنطاكي، وانتُخب في ديسمبر/كانون الأول 2012، وتسلّم مهامه رسميا في 10 فبراير/شباط 2013.
المولد والنشأة
وُلد يوحنا العاشر يازجي عام 1955 في مدينة اللاذقية بسوريا، ونشأ وترعرع في كنف عائلة أرثوذكسية مثقفة، تُعلي من شأن العلم والمعرفة، وتربّى مع إخوته الثلاثة في بيئة أسهمت في تشكيل مسيرته التعليمية والفكرية.
والدته لبنانية تُدعى روزه موسى، تنحدر من محافظة عكار شمال لبنان، أما والده مناح يازجي، فهو شاعر سوري وأستاذ في اللغة العربية.
الدراسة والتكوين العلمي
تلقى تعليمه المدرسي في مسقط رأسه، وكان من ضمن الطلاب المتميزين دراسيا طوال فترات دراسته. وفي أوائل سبعينيات القرن الـ20، التحق بجامعة تشرين في اللاذقية، ونال منها درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية.
انطلاقا من رغبته في تكريس حياته للخدمة الكنسية، قرر الانتقال إلى دراسة اللاهوت، فالتحق بمعهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي التابع لجامعة البلمند في لبنان. وهناك تلقى تعليما لاهوتيا متكاملا، أساسيا ومتقدما، وتخرج عام 1978.
لاحقا، أكمل دراساته العليا في التخصص ذاته بجامعة سالونيك في اليونان، متوجا مساره الأكاديمي بالحصول على شهادة الدكتوراه عام 1983، بأطروحة تحت عنوان “خدمة المعمودية المقدسة-دراسة تاريخية ولاهوتية وليتورجية”.
أثناء إقامته في اليونان، حصل أيضا على شهادة في الموسيقى الكنسية من المعهد العالي للموسيقى البيزنطية في سالونيك عام 1981، كما أسس مدرسة لتعليم الترتيل البيزنطي، وتولى تدريب الجوقات الشبابية وشارك في فعاليات روحية عدة.
المسيرة الكنسية
بدأت المسيرة الكنسية ليوحنا العاشر عام 1979، حين رسّمه المطران يوحنا منصور شمّاسا على يد مطران اللاذقية للروم الأرثوذكس في سوريا، ثم جرى تعيينه كاهنا في أبرشية اللاذقية عام 1983.
في 1981 بدأ تدريس مادة الليتورجيا في جامعة البلمند، وتولى لاحقا عمادة الكلية اللاهوتية فيها بين عامي 1988 و1990.
في الفترة بين 1993 و2005، ترأس دير القديس جاورجيوس الحميراء في وادي النصارى بسوريا، وأسّس فيه مدرسة للتنشئة الإكليريكية لتأهيل الكهنة. كما أسهم في الفترة ذاتها في تأسيس “دير السيدة” للراهبات في بلمانا بمحافظة طرطوس.
عاد لتولي عمادة الكلية اللاهوتية مجددا في الفترة بين 2001 و2005، بالتوازي مع رئاسته دير سيدة البلمند البطريركي.
عام 1995، انتُخب أسقفا على أبرشية وادي النصارى، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 2008، ثم اختاره المجمع الأنطاكي أسقفا على أبرشية أوروبا التي بقي على رأسها حتى انتخابه بطريركا عام 2012.
وفي 17 ديسمبر/كانون الأول 2012، اختير يوحنا العاشر يازجي بطريركا على “أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس”، خلفا للبطريرك الراحل أغناطيوس الرابع هزيم، الذي توفي في الخامس من الشهر نفسه.
جاء انتخابه في مجمع كنسي شارك فيه 18 أسقفا، فيما تغيّب اثنان لأسباب صحية. وقد حصل يوحنا العاشر على 12 صوتا في الجولة الثانية من التصويت، مما حسم النتيجة لصالحه في مجمع انتخابي وُصف بـ”القصير والحاسم”.
تسلّم البطريرك الجديد مهامه رسميا يوم 10 فبراير/شباط 2013، في حفل تنصيب أُقيم في “كنيسة الصليب المقدس” بحي القصاع في دمشق، بحضور عدد من البطاركة ورؤساء الكنائس، بمن فيهم البطريرك غريغوريوس الثالث لحام (الروم الملكيين الكاثوليك)، والبطريرك بشارة بطرس الراعي (الموارنة).
وقد وجّه البابا السابق “بنديكت السادس عشر” رسالة تهنئة للبطريرك الجديد، بينما مثّل الدولة السورية في الحفل رئيس مجلس الشعب آنذاك محمد جهاد اللحام، إلى جانب عدد من الوزراء، وحضور دبلوماسي محدود بسبب إغلاق العديد من السفارات في دمشق إثر اندلاع الثورة السورية.
عقب 3 أيام، أُقيم قداس احتفالي آخر في بيروت بمناسبة التنصيب، حضره رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك ميشال سليمان، وعدد من كبار المسؤولين اللبنانيين.
موقفه من الثورة السورية
في البداية امتنع البطريرك عن اتخاذ موقف سياسي مؤيد لأي طرف من أطراف الثورة السورية، مؤكدا أن “دور المسيحيين يتمثل في أن يكونوا جسرا للتواصل بين الأطراف المتنازعة”.
وشدّد في مواقفه العلنية على “قِيَم الحرية والعدالة الاجتماعية”، رافضا “العنف والقتل بأي صورة كانت أو تحت أي ذريعة”.
كما دعا إلى “الحوار بين الفرقاء للوصول إلى حل سياسي للأزمة”، معتبرا أن “الحوار والمخرج السياسي هما طريق الخلاص لسوريا”.
ورغم حياده المعلن، التزم البطريرك بالتقاليد البروتوكولية المتبعة، ففي ديسمبر/كانون الأول 2012، زار الرئيس المخلوع بشار الأسد مباشرة بعد تنصيبه.
وفي أغسطس/آب 2014، أثناء قداس في دير القديس جاورجيوس الحميراء، أدلى بتصريحات أثارت الجدل، إذ أشار إلى أن “سوريا صامدة بقيادة بشار الأسد وشعبها وجيشها”، مؤكدا على “أهمية الوحدة الوطنية ورفض أي محاولة لفرز المجتمع طائفيا”، كما ختم بتوجيه دعاء لحماية الرئيس وأمن البلاد.
لاحقا، في مايو/أيار 2024، زار البطريرك النصب التذكاري لحافظ الأسد، ودوّن في سجل التعازي كلمات تقدير أثنى فيها على أسلوبه في الحكم، واصفا إياه بـ”رجل الدولة والإستراتيجي” الذي أسهم، بحسب تعبيره، في “تحقيق الاستقرار الوطني وإعلاء شأن الكرامة السورية”.
تفجير كنيسة مار إلياس
في 22 يونيو/حزيران 2025، استهدف تفجير انتحاري كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق وأودى بحياة 25 مسيحيا، وجهت عقبه الحكومة السورية أصابع الاتهام إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
وأثناء مراسم تشييع الضحايا التي أُقيمت في 24 من الشهر نفسه بكنيسة الصليب بالعاصمة، وجّه البطريرك يوحنا العاشر يازجي انتقادا علنيا للحكومة السورية، ووصف الهجوم بأنه “مجزرة وجريمة نكراء تمس جوهر النسيج السوري”.
وشدّد البطريرك على “تحمل الحكومة كامل المسؤولية عن التقصير في حماية المواطنين، ولا سيما أبناء الطائفة المسيحية أثناء أدائهم الشعائر الدينية”، لافتا إلى غياب أي مسؤول حكومي عن موقع الهجوم بعد وقوعه، على الرغم من حضور وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قباوات إضافة إلى وزير الطوارئ وإدارة الكوارث ومحافظ دمشق وغيرهم من المسؤولين الأمنيين وغير الأمنيين.
منشوراته بين الترجمة والتأليف
أولى البطريرك يوحنا العاشر يازجي اهتماما خاصا بالليتورجيا الأرثوذكسية، إذ أشرف على ترجمة عدد مهم من كتب الطقوس الكنسية إلى اللغة العربية، بهدف تطوير النصوص الليتورجية وتيسير استخدامها في الكنائس الناطقة بالعربية.
إلى جانب ذلك، ألّف كتبا عدة وكتب مقالات وألقى محاضرات أكاديمية في منتديات دينية ومؤتمرات دولية متخصصة، تناولت موضوعات تتعلق أساسا باللاهوت والموسيقى والليتورجيا الأرثوذكسية.
ومن أبرز مؤلفاته ما يلي:
- خدمة المعمودية المقدسة-دراسة تاريخيّة ولاهوتية وليتورجية، جامعة سالونيك عام 1983 (رسالة الدكتوراه باللغة اليونانية).
- مبادئ الموسيقى البيزنطية، جامعة البلمند عام 1990 (طبعت منه طبعة ثانية عام 2001).
- سيرة القديس نكتاريوس العجائبي، اللاذقية عام 1990.
- الكهنوت وزواج الإكليروس، اللاذقية عام 1990.
- المعمودية سر الدخول إلى الحياة في المسيح، اللاذقية عام 1992.
- خدمة الكهنة، دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي عام 2001 (طبعت منه طبعة ثانية منقحة عام 2005).
- سلسلة الدراسات الليتورجية المؤلفة من 6 أجزاء.
أبرز ترجماته إلى اللغة العربية:
- “حياة أمنا البارة مكرينا”، للقديس غريغوريوس النيصصي، سلسلة “القدّيسين”، منشورات النور لعام 1984.
- “فصول في الصلاة والحياة الروحية”، للقديس أفغاريوس البنطي والقديس مرقس النّاسك، ضمن سلسلة “آباء الكنيسة” لعام 1990.