الناشط الحقوقي أسعد أبو الخطاب
في زمن تكشّفت فيه النفوس، وتهاوت فيه أقنعة الزيف والمصالح، تظل عزة النفس واحدة من القيم النادرة التي لا تزال تتوهّج في عتمة الخذلان، كنجمة عنيدة ترفض أن تنطفئ في ليل الحاجة والخذلان.
إن أرقى أنواع عزة النفس، ليست تلك التي تُمارس في بحبوحة الحياة وسعة الحال، بل تلك التي تظهر بصدق حين يمثل الإنسان دور المكتفي من كل شيء، بينما هو في الحقيقة بأمسّ الحاجة لكل شيء.
إنها لحظة الصمت الأنيق التي يختار فيها الإنسان أن يحافظ على كرامته، ولو كلفه ذلك الكثير من الشعور بالوحدة والانكسار الداخلي.
في هذه المعادلة الإنسانية الصعبة، يتجلّى جوهر العزة، حين يرفض الإنسان أن يطلب الشيء مرتين، إلا من الله وحده، إذ أن في الإلحاح على أبواب البشر ذلاً لا تبرره حتى أشد الضرورات قسوة.
فالإنسان الحرّ، حين تُغلق في وجهه الأبواب، يدرك أن طرقها مجدداً لن يفتحها، بل يُرسّخ في نفسه قيمة مفادها أن “باباً غير باب الله لا يستحق أن يُطرق أكثر من مرة”.
لقد أدمن البشر التوسل لبعضهم، وتناسوا أن أقرب الطرق إلى الحل، ليست في التذلل للمخلوق، بل في الافتقار الصادق للخالق. ففي الانكسار بين يدي الله رفعة، وفي الانحناء أمام الناس مَذلّة لا تُغتفر.
كم من وجعٍ خفيٍّ يمرّ به أُناسٌ يبتسمون في وجه الحياة، ويظهرون الكفاية بينما جراح الحاجة تنخر أرواحهم بصمت. ليس لأنهم لا يشعرون، بل لأنهم يرفضون أن يبيعوا عزّتهم في سوق الحاجات الرخيصة.
من السهل أن تشتكي، أن تبوح، أن تطرق كل باب، وتبحث في كل اتجاه عن يدٍ تُنقذك، لكن النُبل الحقيقي أن تتألّم بصمت، وأن تتشبّث بأملك في الله، دون أن تكشف ضعفك لمن لا يقدّر.
هذه ليست دعوة للكبرياء المَرَضي، ولا للانعزال عن الناس، لكنها وقفة تأمل في معنى أرقى، معنى يُعيد للكرامة مكانتها، وللتوكل جوهره، وللنفس إنسانيتها.
فيا من أنهكته الحياة، وتكسّرت على أعتابه الأبواب، تأمل جيداً: الباب الوحيد الذي يُفتح كلما طرقته، هو باب الله، فإليه فلتتوجه، وبه فليكن اكتفاؤك.
