
في كشفٍ استقصائي صادم، كشفت منظمة Bellingcat، المتخصصة في التحقيقات الاستقصائية الدولية، عن تورّط سفن شحن روسية في عمليات تهريب منظّمة للحبوب من شبه جزيرة القرم المحتلة إلى ميناء الصليف الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي في اليمن—في انتهاك صارخ للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو منذ غزوها لأوكرانيا.
السفينة “إرتيش”: رحلة مشبوهة تحت غطاء إنساني
التحقيق، الذي اعتمد على تحليل بيانات نظام التعريف الآلي (AIS) وصور الأقمار الصناعية، رصد السفينة الروسية “إرتيش” (IMO: 9664976) وهي تُحمّل كميات كبيرة من الحبوب من ميناء سيفاستوبول في القرم، ثم تُبحر جنوبًا باتجاه اليمن. ولفت التقرير إلى أن السفينة أوقفت نظام تحديد موقعها (AIS) خلال جزء حاسم من رحلتها، في خطوة واضحة لإخفاء مسارها والتهرب من الرقابة الدولية.
قبل دخولها المياه اليمنية، توقفت “إرتيش” إلزاميًا في جيبوتي لإجراء تفتيش من قبل آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM)، وهي الهيئة المكلفة بمراقبة الشحنات المتجهة إلى اليمن لضمان عدم نقل أسلحة أو مواد محظورة. لكن المفارقة الصادمة، وفق التقرير، أن الآلية الأممية أكدت لـBellingcat أن صلاحياتها لا تمتد إلى تطبيق العقوبات الأحادية أو الإقليمية—مثل تلك المفروضة على روسيا—بل تقتصر فقط على تطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة باليمن.
وضعٌ محرج للأمم المتحدة… وثغرة قانونية تستغلها موسكو
يُعدّ هذا الكشف مؤشرًا على ثغرة قانونية حرجة تتيح لروسيا الاستمرار في تصدير الحبوب من الأراضي الأوكرانية المحتلة تحت غطاء “شحنات إنسانية”، رغم أن مصدر هذه الحبوب هو أراضٍ مُصادَرة بالقوة. ويعتبر خبراء دوليون أن مرور شحنات كهذه عبر آلية تابعة للأمم المتحدة يضع المنظمة الدولية في موقف سياسي وإنساني حرج، إذ تتحول—دون قصد—إلى قناة لشرعنة تجارة غير مشروعة.
شبكة أوسع: سفينتان روسيتان أخريان في دائرة الاتهام
ولم تقتصر الممارسات المشبوهة على “إرتيش” وحدها. فقد كشف التحقيق عن سفينتين روسيتين إضافيتين عطّلتا أنظمة التتبع الخاصة بهما أثناء تحميل الحبوب من ميناء سيفاستوبول، وهما:
- Matros Pozynich (IMO: 9573816)
- Zafar (IMO: 9720263)
وتشير هذه الممارسات إلى نمط متكرر من التحايل البحري، يُستخدم لتمويه مصادر الشحنات ووجهاتها، خاصةً عند التوجّه إلى مناطق نزاع مثل اليمن، حيث تفتقر آليات الرقابة إلى الصلاحيات الكاملة لوقف مثل هذه العمليات.
رسالة واضحة من موسكو: العقوبات لا تُردعنا
يأتي هذا التحقيق ليؤكد أن روسيا لم تتخلَّ عن استخدام طرق بحرية ملتوية لتصدير الحبوب من الأراضي الأوكرانية المحتلة، مستغلة الفجوات في النظام الدولي والتعقيدات اللوجستية في مناطق النزاع. ويعكس ذلك استراتيجية موسكو الأوسع لتحدي العزلة الاقتصادية عبر إعادة توجيه سلاسل الإمداد نحو حلفائها في الشرق الأوسط، بما في ذلك الحوثيون، الذين يُعتبرون لاعبًا إقليميًا مدعومًا من إيران.
