في رمال أريزونا الحارقة.. مشروع بتريليون دولار يُغيّر اقتصاد العالم : روكب اليوم الاقتصادية


روكب اليوم
2025-06-23 09:43:00

لا توحي كثبان الرمال الحارة في ولاية أريزونا الأميركية للوهلة الأولى بولادة مشروع تكنولوجي قد يُعيد تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي، لكن يبدو أن ماسايوشي سون، مؤسس مجموعة «سوفت بنك» اليابانية، له رأي آخر.

يطرح سون رؤية جريئة لبناء مجمع ذكاء اصطناعي عملاق بتكلفة تريليون دولار، في قلب الصحراء الأميركية، مستهدفاً تحويل أريزونا إلى مركز عالمي يجمع بين الروبوتات والحوسبة الفائقة وتصنيع الرقائق، وقد يمتد ليشمل منطقة تجارة حرة مفتوحة على العالم.


googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-1738926244764-0’); });

هذه الرؤية لا تأتي من فراغ، بل تتزامن مع تحولات عميقة في موازين القوى الاقتصادية، وتصاعد التنافس العالمي على الهيمنة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والطاقة الرقمية، كما تعكس المساعي الأميركية لاستعادة دورها الصناعي وتخفيف الاعتماد على سلاسل التوريد الخارجية، لا سيما في ظل التوتر مع الصين.

تتجاوز الفكرة التي يناقشها سون مع مسؤولين أميركيين كبار، من بينهم وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، مجرد منشأة صناعية تقليدية، إذ تشمل إمكانية إنشاء منطقة تجارة حرة، واستقطاب شركاء تقنيين عالميين من أبرزهم شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات «تي إس إم سي»، التي تُعد الأكبر عالمياً في مجال تصنيع الرقائق الإلكترونية، بحسب ما نقلته وكالة بلومبيرغ.


googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-1739447063276-0’); });

وبحسب مصادر مطلعة لصحيفة فاينانشال تايمز، فإن الهدف الأساسي من المشروع هو نقل التصنيع عالي التقنية إلى الأراضي الأميركية، ضمن اتجاه متزايد نحو تقليص الاعتماد على سلاسل التوريد الآسيوية وتعزيز أمن التكنولوجيا الوطنية، خاصة في القطاعات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وأشباه الموصلات.

من الناحية الاقتصادية، يُنظر إلى المشروع باعتباره رافعة جديدة لنمو الاقتصاد الأميركي في ظل التحولات العميقة التي يشهدها العالم بفعل تسارع تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

ووفقاً لتقديرات ماكينزي، فإن تطبيقات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تضيف ما بين 2.6 و4.4 تريليون دولار سنوياً إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العقد القادم.

وإذا ما تحقق مشروع سون بالفعل، فقد يوفّر عشرات الآلاف من الوظائف، ويُسرّع نمو بيئة التصنيع الرقمي في الولايات المتحدة، خاصة مع وجود بنية تحتية متنامية في ولاية أريزونا، التي أصبحت بالفعل مركزاً ناشئاً لصناعة أشباه الموصلات بفضل استثمارات «تي إس إم سي» التايوانية، التي بدأت الإنتاج الضخم للرقائق المتقدمة هناك هذا العام.

سون لا يتحرك بمفرده، فالرجل الذي أقام شراكات كبرى مع أوبن إيه آي وإنفيديا، ويستثمر عبر صندوق رؤية التابع لسوفت بنك في عشرات الشركات الناشئة، يخطط لتوظيف هذه الشبكة الواسعة من العلاقات ضمن المشروع الجديد.

كما يُراهن على علاقته الوثيقة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ كان سون من أوائل الزوار الأجانب له في منتجعه «مار إيه لاغو»، وتشير مصادر لفاينانشال تايمز إلى أن سون يناقش أيضاً إمكانية تكرار نموذج أريزونا في ولايات أميركية أخرى، حال نجاح المشروع.

ويعتمد سون على نموذج التمويل القائم على المشاريع، الذي استخدمه بالفعل في مشروعه السابق «ستارغيت» المخصص لتوسيع مراكز البيانات الأميركية عندما تعهد له بمبلغ 500 مليار دولار بالشراكة مع أوبن إيه آي، وأوراكل، ومجموعة «إم جي إكس» الإماراتية.

وفي حال تطبيق هذا النموذج مجدداً، فإن مشروع أريزونا قد يصبح قابلاً للتنفيذ دون الحاجة إلى تمويل حكومي مباشر، وهو ما يُعزز جاذبيته لدى صناع القرار الأميركيين الذين يسعون لتحقيق الاستقلال التكنولوجي دون أعباء على الميزانية الفيدرالية.

رغم أن شركة «تي إس إم سي» لم تُخطر رسمياً بالمشاركة في المشروع حتى الآن، فإن وجودها في أريزونا، وخططها الاستثمارية الضخمة في الولايات المتحدة، يجعلها شريكاً محتملاً ومنطقياً في هذه الخطة، خاصة في ظل التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، وسعي واشنطن إلى تقليل اعتمادها على التصنيع في تايوان.

كما أن إنشاء مناطق تجارة حرة لجذب الاستثمارات التكنولوجية من دول مثل اليابان وتايوان، قد يفتح الباب أمام تعاون متعدد الجنسيات، وربما يدفع نحو إنشاء صندوق استثماري مشترك بين اليابان والولايات المتحدة، وهو ما ألمح إليه سون في مناسبات سابقة.

ويبدو أن مشروع أريزونا الذي يطرحه ماسايوشي سون ليس مجرد فكرة استثمارية ضخمة، بل يمثل محاولة لإعادة رسم معالم الاقتصاد الرقمي العالمي من قلب الولايات المتحدة.

وبينما لم يصدر تعليق رسمي من سوفت بنك أو «تي إس إم سي»، فإن الرؤية التي يحملها سون تعكس إدراكاً عميقاً بأن المعركة الاقتصادية القادمة ستُحسم عبر السيطرة على البنى التحتية للذكاء الاصطناعي والتصنيع المتقدم.

وإذا ما كُتب لهذا المشروع أن يرى النور، فقد يُمثّل تحولاً استراتيجياً في التوازنات الاقتصادية بين الشرق والغرب، ويفتح عهداً جديداً لاقتصاد قائم على الذكاء الاصطناعي لا فقط البشر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Exit mobile version
Enable Notifications OK No thanks