ما الذي تبقى للناس في عدن ليقاوموه؟ هل حانت لحظة الموت الجماعية؟


روكب اليوم
2025-04-29 09:02:00

في قلب العاصمة المؤقتة عدن، المدينة التي لطالما تغنت بالصبر وشهدت أعواماً من الصمود في وجه الحروب والتقلبات، يقف المواطن اليوم عاجزاً عن طرح السؤال الذي كان يردده سابقاً “ماذا بعد؟”، لأن الواقع الحالي تجاوز كل التوقعات، وتخطى حتى حدود الاحتمال الإنساني. فعدن اليوم لا تواجه فقط أزمة رواتب أو تدهور خدمات، بل تقف على شفير هاوية عنوانها: اللاشيء… اللا أمل… اللا حياة.

الموت البطيء في مدينة منسية

في عدن، لا توجد رواتب منتظمة. موظفو الدولة، المدنيون والعسكريون على حد سواء، يدخلون الشهر تلو الآخر دون أن يتلقوا مستحقاتهم، حتى أصبحت معاناة الراتب جزءاً من النكتة السوداء اليومية. أما الكهرباء، فقد تجاوزت حدود الانقطاع المعتاد إلى مرحلة “الاختفاء”، مع وصول ساعات الانطفاء إلى أكثر من 20 ساعة في اليوم، وفي ظل موجة حر خانقة، باتت البيوت كالأفران، والمدارس بلا مراوح، والمستشفيات بلا تيار.

أما المياه، فتأتيك كمكرمة في مواسم نادرة، ولا سبيل للحصول عليها سوى بشراء “وايت” بأسعار مضاعفة، وكأنك تشتري سلعة كمالية لا ضرورة حياتية.

وفي ظل هذا الجحيم المعيشي، يبقى سعر الصرف وحشاً لا يُروّض، فالريال اليمني يواصل تدهوره أمام العملات الأجنبية دون هوادة، مما ينعكس بشكل مباشر على أسعار المواد الغذائية والدواء. فأبسط السلع التي كانت تُعد يوماً ما من ضروريات الفقير، أصبحت اليوم في متناول شريحة ضيقة جداً من السكان.

الفساد في كل مكان… والدولة في كل مكان إلا هنا

الأدهى من كل ذلك، أن ما يُشبه الدولة لا يظهر في عدن إلا على هيئة حملات جباية أو بيانات إنكار. الوزارات مغلقة، السلطات المحلية تتقاذف المسؤوليات، والقرارات تصدر من غرف مغلقة لا يطالها صوت المواطن ولا ألمه. أما الفساد، فبات مشهداً مألوفاً لا يُحرّك ساكناً، يُقال عنه الكثير، ويُحاسَب عليه لا أحد.

في مدينة بلا خدمات ولا مستقبل، تُصبح السرقة المنظمة والفساد الممنهج جزءاً من يوميات المواطن، يسمع عنها، يراها، لكنه لا يملك حيلة إزاءها، فالصوت المعارض يُتهم بـ”الخيانة”، والصوت الصامت يُداس بالصمت ذاته.

ماذا تبقى؟ هل حانت لحظة الانهيار الكامل؟

ما الذي تبقى للناس في عدن لتخسره؟ لا رواتب، لا كهرباء، لا مياه، لا صحة، لا تعليم، لا طرقات، ولا أفق اقتصادي يلوح في الأفق. الأمن هش، والبطالة تنهش، والفقر تمدد حتى التهم الطبقة الوسطى، وجعل الجميع سواسية في الحاجة.

لم تعد عدن تعيش مرحلة “تردي الأوضاع” فقط، بل تجاوزت ذلك إلى مرحلة تلاشي الدولة والمجتمع معاً. هنا لا يستطيع أحد أن يضع خطة خمسية أو حتى خمسية أيام، لأن الجميع بات أسيراً للحظة واحدة: لحظة النجاة الشخصية.

فالسؤال الذي يطرحه المواطن في كل زقاق لم يعد: “كيف نصلح؟”، بل “كيف نعيش؟”، أو “هل نعيش؟”. حتى الشباب، وقود الأمل عادةً، بدأوا بالانسحاب من الحياة العامة نحو دوائر الإحباط أو الهجرة أو الانخراط في أعمال لا تشبه طموحاتهم ولا تتسق مع مؤهلاتهم.

صرخة بلا صدى

عدن اليوم تصرخ، لكن صوتها لا يسمعه أحد، لا في القصور الرئاسية، ولا في مقار الأحزاب، ولا حتى في قنوات الإعلام المتحزبة التي لا ترى في وجع الناس خبراً يستحق النشر ما لم يكن ملوثاً بلون سياسي.

المدينة تموت، بهدوء مخيف، كأنها تُنتزع من تحتنا شبراً شبراً، وحياً حياً. الناس يذبلون، ومع كل يوم يمر دون حل، يختفي بصيص أمل جديد.

ما الحل؟

قد يبدو الحديث عن “حلول” ترفاً في ظل هذا الانهيار، لكن السؤال الحقيقي هو: لماذا لا توجد إرادة سياسية حقيقية للإنقاذ؟ من المستفيد من إبقاء عدن بهذا الشكل؟ من الذي يحاصرها بالفساد والصمت والتجاهل؟ ولماذا يدفع المواطن وحده ثمن صراع الآخرين على السلطة والنفوذ؟

الإجابات كثيرة، لكنها كلها تقود إلى طريق واحد: عدن تُعاقب، عدن تُهمل، وعدن تموت بينما يتفرج الجميع.

في الختام، لا يمكن القول إلا أن ساعة الحقيقة قد دقّت، وحان الوقت أن يصرخ الجميع: لا نريد الموت الجماعي… نريد حياة تليق بكرامتنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Exit mobile version
Enable Notifications OK No thanks