معاناة عائلة الفراخنة مع عربدة المستوطنين تختصر واقع الضفة |


روكب اليوم

رام الله- تجلس الحاجة فرحة الفراخنة بين أحفادها وأبنائها في منزل العائلة في قرية دير جرير شرقي مدينة رام الله، بالضفة الغربية، ولا تستطيع الشعور بأمان كامل، خاصة عندما يكون أحد أبنائها غائبا.

وتزيد مخاوفها بعد تعرضهم رفقة والدهم الحاج صادق الفراخنة إلى هجمة عنيفة من المستوطنين نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، واعتقال نجلهما لـ 10 أيام بسبب دفاعه عن والده.

وعن ذلك، تذكر الحاجة السبعينية “لم أستطع الوصول إليهم حين تعرضوا للهجوم، أصبحنا نخاف، وصار صغارنا يخافون من الخروج وحدهم، وبقيت 10 أيام أبكي فراق ابني الذي أخذوه حين دافع عن والده”.

ومؤخرا تشهد قرية دير جرير هجمات متكررة من المستوطنين، وبشكل متصاعد منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث استشهد الشابان جهاد عجاج ومحمد علوي برصاص المستوطنين، خلال أقل من شهر واحد.

جدارية تحمل صور شهداء قرية دير جرير في الأعوام الأخيرة بينهم شهيدان منذ بدء الحرب (الجزيرة)

المستوطنون الأشرس

يعمل الحاج صادق الفراخنة (79 عاما) في تربية المواشي منذ عام 1960، وقد شهد على بداية الحركة الاستيطانية على أراضي قريته منذ عام 1967، حيث لم تكن تلك الفترة خالية من المناوشات، لكنه يشير إلى أن شراسة المستوطنين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 هي الأشد على الإطلاق.

ولا يزال الفراخنة وأبناؤه يعملون في تربية المواشي، وتشاركه زوجته فرحة لفترة طويلة أعباء هذا العمل، ليؤسسا لأبنائهما حياة مستقرة وآمنة في قريتهم التي كانت تعيش هدوءا نسبيا حتى اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، وما رافقها من تصعيد في هجمات المستوطنين بالضفة الغربية.

وعلى أطراف قرية دير جرير، بنى الرجل وأبناؤه بيتا زراعيا لرعاية قطيع المواشي الذي يشكل مصدر رزقهم الأساس، والذي أصبح عملا خطيرا في ظل انتشار المستوطنين المسلحين على امتداد مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية المصنفة “ج” حسب اتفاق أوسلو.

ويروي الفراخنة للجزيرة نت أن أحد المستوطنين أحضر قطيعا من الأغنام وأدخله إلى ساحة المنزل متعمدا استفزاز العائلة، وبدأ بتخريب الممتلكات وإفراغ خزانات المياه على الأرض، فانطلق الفراخنة وبقية أبنائه وأحفاده إلى المكان لإخراج المستوطن.

وما إن وصلوا حتى فوجئوا بقدوم مجموعة كبيرة من المستوطنين المسلحين بالعصي والهروات والأسلحة النارية، ووقع اشتباك بالأيدي بين أفراد العائلة والمستوطنين المعتدين عليهم، ليندفع الجيش الإسرائيلي لاحقا للتدخل لحماية المستوطنين.

آثار تخريب المستوطنين لممتلكات عائلة الفراخنة (الجزيرة)

يقول الفراخنة “حين اشتدت الهجمة اتصلت بالمجلس القروي وأهالي القرية لمساعدتنا، فقالوا لي نحن قريبون منكم لكن الجيش أغلق الطريق ولم يسمح لنا بالوصول إليكم”.

في تلك الأثناء، كان حفيد الفراخنة مع جزء من القطيع في الجبل المقابل، وللنجاة بنفسه وبالقطيع هرب عبر الجبال إلى قرية الطيبة المجاورة.

وفي ظل الشعور بالخطر الشديد، اختبأ الجد أيضا بين الأشجار بعد أن أصيب بكسور ورضوض، بينما سرق المستوطنون 35 رأسا من الغنم، تقدر قيمتها بـ35 ألف دينار أردني (حوالي 49 ألف دولار)، إضافة إلى سرقة معدات خاصة بحراثة الأرض، وألواح وبطاريات طاقة شمسية ومحوّل كهرباء.

معاناة مستمرة

يستذكر الرجل خسارته بقهر، فيقول بحسرة “لو أنني مسؤول لكانت كلمتي، لكن لا أقول إلا ما أُخذ بالقوة لا يرجع إلا بالقوة، ولن أترجى أحدا..” يصمت ثم يواصل “إذا كان غريمك القاضي، لمن تشتكي؟، الحمد لله إنها في المال” (أي لم يقع شهداء وجرحى من أبنائه).

لم تنتهِ معاناة العائلة عند هذا الحد، فبينما كان الحاج صادق ملازما للبيت ليتماثل للشفاء، اقتحمته قوات الاحتلال بعد منتصف الليل واعتقلت نجله خيري، الذي حاول الدفاع عن والده أثناء الهجوم، وخضع للتحقيق بادعاء اعتدائه على مستوطن.

يقول خيري، الذي أفرج عنه بعد أيام، للجزيرة نت “اتهمني ضابط الشرطة بالاعتداء على مستوطن، فقلت له إنني كنت أدافع عن والدي، والمستوطن هو من أتى إلى بيتي وهاجمني، فقال لي “ممنوع تدافع عن نفسك، تأتي وتشتكي لنا ونحن نتصرف”، ويضيف متهكما “هاجموا والدي، ولو لم نتدخل، لقتلوه. هل ننتظر أن نراه في القبر حتى نشتكي عليهم؟”.

ويشير خيري الفراخنة إلى أن اعتقاله لمدة 10 أيام كان مليئا بأساليب الإهانة، حيث كان الضباط يضغطون عليه للركوع لعلم إسرائيل، ويدخلون الكلاب البوليسية عليه وعلى رفاقه في أماكن احتجازهم.

شارع حديث شقّه المستوطنون لتسهيل وصولهم من جبل العاصور لمهاجمة قرية دير جرير (الجزيرة)

ترقب الهجوم القادم

بينما يصطحب الحاج صادق الفراخنة الجزيرة نت في جولة بأرضه، تبقى عين نجله وحفيده تراقب الطريق الذي يسلكه المستوطنون للهجوم على القرية، تحسّبا للتعرض للهجوم في أي لحظة.

وفي هذه الأثناء، يصل أحد أبناء القرية صاعدا من أسفل الوادي بعد أن استطاع النجاة بنفسه من مجموعة مستوطنين كانوا يتربصون للهجوم على أي شخص يحاول الوصول إلى حقول الزيتون في المنطقة.

ويصف الشاب للحاج صادق وللجزيرة نت ما حدث معه قائلا “كانوا موزعين في مناطق مختلفة يراقبونني، وبعد أن أمضيت نصف ساعة في قطف الزيتون بدؤوا يقتربون مني، ومعهم سلاحهم” مؤكدا استعدادهم لقتل أي شخص، ويقول “يجب علينا الوصول إلى أراضينا بأي طريقة، لكن لا يوجد من يحمي الناس ويشجعهم”.

ويضيف خيري “يحدث أن تكون مارا من هذا الطريق، فيطلق مستوطن النار عليك أو يرميك بالحجارة. نحن وحظنا إما أن نموت أو نصاوب”. ويذكر أن شابين أُطلق عليهم الرصاص وتُركا ينزفان حتى استشهدا، بينما منعت طواقم الإسعاف من الاقتراب لإنقاذهما.

يُذكر أن القرية تتعرض من جهتها الغربية للهجوم من المستوطنين القادمين من بؤرة استيطانية حديثة قرب معسكر الاحتلال المقام على “جبل العاصور” (أعلى جبال الضفة الغربية)، حيث يقومون باعتراض طرق المواطنين وإغلاقها.

وأما من الجهة الشرقية، فتتعرض القرية للهجمات من المستوطنين المقيمين في مستوطنتي “كوكب الصباح” و”ريمونيم” الذين قاموا بإقامة عدة بؤر استيطانية على الجبال المحيطة بالقرية، ويراقبون من خلالها كافة تحركات الفلسطينيين في أراضيهم، خصوصا في موسم قطف الزيتون الذي يشهد هجمات عنيفة من المستوطنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Enable Notifications OK No thanks