روكب اليوم
2025-06-22 18:15:00
قد يُسجَّل فجر الأحد 22 يونيو من صيف 2025 في التاريخ كلحظة غيّرت الشرق الأوسط إلى الأبد (لحظة زال فيها شبح الإبادة النووية عن إسرائيل، وتراجعت فيها قوة إيران، وارتفعت الهيبة الأميركية)، لكن إذا فشلت مقامرة ترامب في تدمير البرنامج النووي الإيراني –رغم ادعائه «القضاء التام عليه» عبر ضربات جوية أميركية– فإن رئيساً طالما اتُّهم بتحدي القانون قد يكون دفع بالولايات المتحدة والعالم نحو مسار كارثي. ويكمن الخطر الآن في أن تردّ طهران بهجمات ضد القوات أو الأهداف أو المدنيين الأميركيين في المنطقة، ما قد يؤدي إلى تصعيد واسع نحو حرب شاملة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-1738926244764-0’); });
وبينما يرى ترامب مقامرته غير المحسوبة باستهداف البرنامج النووي الإيراني «ضرورية لأمن العالم»، يرى خبراء الاقتصاد أن هذه الخطوة قد تفتح أبواباً لعقوبات مضادة وتهديدات لمضيق هرمز وارتفاعات حادة في أسعار النفط، فضلاً عن زعزعة ثقة المستثمرين في استقرار المنطقة. مقامرة ترامب هذه المرة لا تهدد الأمن فقط، بل الاقتصاد العالمي بأسره.
رهان على الأمن العالمي والإرث الرئاسي
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-1739447063276-0’); });
ترامب بهذا التحرك وضع رهاناً هائلاً ليس فقط على أمن العالم، بل على إرثه السياسي أيضاً، دون أن يعرف تماماً كيف ستتطور الأحداث، بعد اصطفافه بوضوح خلف الهجوم الإسرائيلي على إيران.
الرئيس الذي دخل البيت الأبيض واعداً بإنهاء الحروب، يبدو وكأنه بدأ حرباً جديدة.
في خطابه مساء السبت، وجّه ترامب تحذيراً شديد اللهجة لقادة إيران قائلاً: «إيران، المتنمرة في الشرق الأوسط، عليها أن تصنع السلام الآن، وإلّا فالهجمات المقبلة ستكون أكثر تدميراً».
وقد ألقى ترامب خطابه من البيت الأبيض محاطاً بنائبه جي دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الدفاع بيت هيغسث.
ضربات بلا تفويض ولا تحالفات
الضربات الجوية الأميركية كانت عرضاً صارماً ومنفرداً للقوة العسكرية والرئاسية، ونقطة تتويج لعداء استمر 45 عاماً بين واشنطن وطهران منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
لكن بدء الحروب أسهل بكثير من إنهائها. وفي الشرق الأوسط خصوصاً، كثيراً ما تبيّنت سذاجة الافتراضات الأميركية حول إمكانية احتواء تداعيات الضربات «الصادمة والمروعة».
ترامب، الذي طالما تحدى القيود على سلطته في الداخل، أرسل القوات الأميركية للقتال دون تفويض من الكونغرس، ودون تعبئة الرأي العام، ودون تنسيق مع الحلفاء. فبينما قال يوم الخميس إنه سيتخذ قراراً بشأن إيران خلال أسبوعين، لم ينتظر أكثر من يومين حتى نفّذ الضربة.
ولم يعرض أدلة علنية على مزاعمه بأن إيران باتت قاب قوسين أو أدنى من امتلاك سلاح نووي، كما تجاهل تقديرات الاستخبارات الأميركية التي قالت إن طهران ما زالت تبعد سنوات عن ذلك الهدف.
ماذا بعد؟
بريت مكغورك، المسؤول السابق عن الشرق الأوسط في إدارات جمهورية وديمقراطية، قال لـCNN: «إذا قال لك أحدهم إنه يعرف إلى أين تتجه الأمور الآن، فهو لا يعرف عما يتحدث»، وأضاف: «لا أحد يعلم».
السؤال الأكثر إلحاحاً حالياً: هل تملك إيران القدرة والإرادة للرد على هذه الضربات؟ ورغم إعلان ترامب نجاح المهمة، لا تزال هناك شكوك حول ما إذا كانت الضربات قد دمرت بالفعل كل مخزونات اليورانيوم المخصب لدى طهران، والتي قد تكون قد أخفتها، وربما لا تزال قادرة على استخدامها لصناعة قنبلة بدائية مستقبلاً.
خيارات إيران… وحافة الحرب
قائد إيران الأعلى، آية الله علي خامنئي، تلقّى ضربة مهينة تمس أحد أهم أعمدة شرعيته: «الحق السيادي في تخصيب اليورانيوم»، ومن الصعب تخيل أن زعيماً روحياً يحرس الثورة سيصمت أمام هذا التحدي.
لكن ترامب حذّر إيران قائلاً: «إمّا أن يكون هناك سلام، وإمّا تكون هناك مأساة أكبر مما شهدناه خلال الأيام الثمانية الماضية.. تذكروا، لا يزال هناك العديد من الأهداف».
ورغم تضرر ترسانة الصواريخ الإيرانية بسبب الضربات الإسرائيلية، وكذلك وكلائها مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة، لا تزال أمام طهران خيارات: تهديد الملاحة عبر مضيق هرمز، الشريان الحيوي لتصدير النفط العالمي، استهداف حلفاء واشنطن، تحريك ميليشياتها في العراق وسوريا لضرب القوات الأميركية.
أي من هذه الخيارات قد يجرّ واشنطن إلى سلسلة من الضربات المتبادلة، تقود إلى حرب شاملة.
شبح أفغانستان والعراق يلوح مجدداً
ذكريات الحربين الطويلتين في العراق وأفغانستان -واللتين بدأتا بانتصارات خاطفة، ثم تحوّلتا إلى مستنقعين داميين– لا تزال حاضرة في أذهان الأميركيين، خاصة أن الولايات المتحدة استغرقت 20 عاماً للخروج منهما.
وقد سعى الرؤساء المتعاقبون لإعادة توجيه الاهتمام الأميركي من الشرق الأوسط إلى آسيا لمواجهة صعود الصين، لكن يبدو أن ترامب قد أعاد البوصلة إلى نقطة الصفر.
نقطة تحول خطيرة في الداخل الأميركي
الهجوم على إيران قد يعمّق مخاوف منتقدي ترامب من أنه يتوسع في استخدام سلطاته بشكل غير دستوري، خاصة أنه بدأ صراعاً جديداً دون أن تكون إيران تمثّل تهديداً مباشراً.
كما أن قراره المنفرد قد يستخدم كذريعة من قِبل قادة مستبدين في أنحاء العالم لتنفيذ ضربات مماثلة ضد دول أضعف.
ترامب أيضاً كسَر أحد أهم تعهداته السياسية السابقة: إنهاء التدخلات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، ما قد يؤدي إلى انقسام داخل حركة «اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً».
نصر كبير لنتنياهو
في المقابل، شكّل هذا الهجوم انتصاراً استراتيجياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ظل يطالب منذ سنوات بتدمير المنشآت النووية الإيرانية. فبعد أن عطلت إسرائيل الدفاعات الجوية الإيرانية، دخل ترامب المشهد بقنابل خارقة للتحصينات، ليكمل المهمة التي كانت إسرائيل عاجزة عن إنهائها بمفردها.
ردود فعل سياسية أميركية منقسمة
على الصعيد السياسي الأميركي، أحدث قرار ترامب عاصفة فورية. فقد دعم كبار الجمهوريين في الكونغرس، مثل رئيس مجلس النواب مايك جونسون وزعيم الأغلبية توم إيمر، قرار الرئيس. وقال جونسون: «يجب أن تكون العمليات العسكرية في إيران تذكيراً واضحاً لأعدائنا وحلفائنا بأن ترامب يعني ما يقول».
لكن كبار الديمقراطيين، مثل السيناتور مارك وورنر، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، اتهموا ترامب بانتهاك الدستور وتجاهل الكونغرس. وقال وورنر: «ترامب شن ضربة ضد إيران دون استشارة الكونغرس، ودون استراتيجية واضحة، ودون احترام لتقييمات أجهزة الاستخبارات، ودون شرح المخاطر الحقيقية للشعب الأميركي».
أخيراً
مهما كانت نتائج هذه الضربة على المدى القصير، فإن مقامرة ترامب قد وضعت الشرق الأوسط والعالم على حافة مرحلة جديدة، لا تُعرف ملامحها بعد. فإمّا أن تؤدي إلى كبح الطموحات النووية الإيرانية وتثبيت ميزان الردع، وإمّا أن تفتح باباً لفوضى إقليمية تعصف بأسواق الطاقة، وتُدخل الاقتصاد العالمي في دوامة من التوترات المتصاعدة.
وبين احتمالات الانفراج والانفجار، يبقى السؤال الأهم: هل كانت هذه الضربة خطوة استراتيجية محكمة أم مجرد مقامرة سياسية ـ اقتصادية قد يدفع العالم بأسره ثمنها؟