ندوة في إسطنبول تستعرض التحولات الإقليمية والدولية بشأن اليمن

روكب اليوم
عقد “مركز المخا للدراسات” و”مؤسسة التفكير المستقبلي” البريطانية، في مدينة إسطنبول التركية اليوم، ندوة بعنوان: “اليمن في ظل التحولات الإقليمية والدولية الراهنة”، شارك فيها نخبة من الباحثين والخبراء من داخل اليمن وخارجه.

وتناولت الندوة جذور النزاع اليمني ومحركاته، وآليات الصراع وتحولاته الإقليمية، ودور المرأة في عملية السلام، كما تطرقت إلى صورة اليمن في الإعلام الغربي، وانتهت إلى مناقشة سيناريوهات المستقبل.

في ورقته، افتتح د. إسماعيل السهيلي، المحلل السياسي والباحث في مركز المخا، بعرض خرائط وسياقات تاريخية تسلط الضوء على أصول النزاع في اليمن، موضحا أن الأزمة تُغذّى بعوامل عدة، مثل سياسات الهيمنة الحوثية، وضعف الحكومة الشرعية، والتدخل الإيراني، والتنافس بين السعودية والإمارات، وتراخي المجتمع الدولي، فضلًا عن استغلال الموقع الاستراتيجي لليمن في صراعات أوسع.

أما الخبير البريطاني أوليفر ماكتيرنان، رئيس مؤسسة Forward Thinking، فقدّم تحليلًا معمقًا لآليات الصراع في اليمن والمنطقة.

وتحدث عن ديناميكيات الولاء والتمويل والتجنيد، وآليات القيادة والربط العملياتي، وكيف تغيرت خريطة التهديدات مع تزايد التدخلات الخارجية.

ولفت إلى أن فلسفة “السلام عبر القوة” قد تفرض حالة ردع وقتية، لكنها لا تنتج سوى سلام هش يقوم على إخضاع المستضعفين، مقابل سلام حقيقي يقوم على العدالة والقانون والحوار.

وفي محور التحولات الإقليمية والدولية، قدّم د. أحمد رمضان، المدير العام لمركز لندن للاستراتيجيات الإعلامية، قراءة واسعة لصراعات العالم وتأثيراتها على اليمن.

وأوضح أن المشهد الدولي اليوم محكوم بثلاثة صراعات متوازية: الأول بين روسيا والغرب ويظهر في أوكرانيا، والثاني بين الصين والولايات المتحدة وتستفيد منه روسيا، أما الثالث فهو بين أوروبا والولايات المتحدة، وهو الأخطر، لأنه يتعلق بطبيعة النظام الدولي ذاته.

ورأى أن هذه الصراعات تعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط، وتنعكس مباشرة على اليمن.

وأشار إلى أن اليمن يتمتع بموقع مفتاحي على صعيد التجارة الدولية والطاقة والاتصالات والربط الكهربائي، لكنه يظل خارج هذه الفرص بسبب غياب الاستقرار.

ودعا إلى الانتقال من دولة النزاع إلى دولة الشراكة، باعتبارها الصيغة الوحيدة القادرة على استيعاب طبيعة المجتمع اليمني المتعدد، محذرًا من أن أسلوب المغالبة يُطيل أمد الحرب إلى ما لا نهاية.

من جانبه، تناول عاتق جار الله، رئيس مركز المخا للدراسات، مستقبل الحالة اليمنية في ضوء التطورات الأخيرة.

وأوضح أن الملف اليمني انتقل من كونه أزمة داخلية إلى ساحة إقليمية، ثم إلى ملف دولي مع دخول أطراف كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل.

ورأى أن الحوثيين يواجهون أزمة اقتصادية وشعبية، لكن الشرعية بدورها ضعفت ولم تستثمر نقاط ضعف خصمها، وإن كانت قد استفادت من بعض المواقف الأوروبية والأمريكية.

وطرح ثلاثة احتمالات لمستقبل الصراع:

– تدخل إسرائيلي مباشر يضعف الحوثيين دون أن يحسم الصراع.

– تغييرات في بنية الشرعية يعقبها تصعيد عسكري بدعم إقليمي، وهو الاحتمال الأكثر ترجيحًا.

– استمرار حالة الاستنزاف القائمة.

وفي مداخلة ركزت على البعد المجتمعي، تحدثت سيسيلي بايليس، مديرة برنامج WFS، عن وضع المرأة اليمنية ودورها في عملية السلام.

وأكدت أن النساء يتحملن العبء الأكبر من تداعيات الحرب، خاصة في الجوانب الصحية والاحتياجات الأساسية، وأنهن يعانين بصورة مضاعفة بسبب انهيار الخدمات العامة.

وأكدت أن تعزيز مشاركة المرأة في القرار السياسي، والاعتراف بها كشريك فاعل، يعد ركيزة لا غنى عنها لتحقيق سلام عادل ومستدام.

كما قدمت آنا بيلي مورلي، مسؤولة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة Forward Thinking، ورقة عن صورة اليمن في وسائل الإعلام الغربية.

وأوضحت أن الإعلام الغربي اختزل اليمن في كونه ميدان حرب وصراعًا بالوكالة بين السعودية وإيران أو بين الولايات المتحدة وإيران، مغيبًا البعد الإنساني ومعاناة الشعب.

وأشارت إلى أن اليمن ظل غير مرئي للرأي العام الدولي، إذ تغيب القصص التي تنقل أصوات الناس العاديين وتعكس معاناتهم اليومية.

واعتبرت أن هذا التغييب يُفاقم الأزمة، داعية إلى إفساح المجال للروايات المحلية، وتمكين اليمنيين من سرد قصصهم للعالم بعيدًا عن السرديات الجيوسياسية الضيقة.

أما جوردان مورغان، مدير برنامج في مؤسسة Forward Thinking، فقد ركز على مسألة القيادة في أوقات الصراع.

وقال إن اليمن لم يعد يتصدر أجندة المجتمع الدولي في ظل تعدد الأزمات الأخرى بالمنطقة مثل غزة، مشددًا على أن عقد ندوات وحوارات من هذا النوع يعيد لليمن حضوره في أولويات العالم.

ورأى أن أخطر ما يواجه اليمن هو محاولة تأطير النزاع في قالب ديني أو أيديولوجي، ما يعمّق الانقسامات ويؤجّج خطاب العنف.

ودعا إلى مواجهة هذا التوجه عبر تعزيز القيادة المدنية والمجتمعية، وإحياء الحوار الوطني كطريق عملي لإخراج اليمن من دائرة الحرب المستمرة.

وخلصت الندوة في مجملها إلى أن اليمن لم يعد أزمة محلية فحسب، بل تحوّل إلى عقدة في شبكة صراعات إقليمية ودولية متشابكة. كما أكدت أن السلام القائم على القوة لن يكون مستدامًا، وأن الطريق نحو الاستقرار يمر عبر العدالة، والشراكة الوطنية، وبناء دولة قادرة على تقديم الخدمات والتنمية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Enable Notifications OK No thanks