روكب اليوم
في فيلم “سوبرمان”، يتولّى جيمس غن، فضلًا عن مهمة الإخراج، كتابة السيناريو، إلى جانب إشرافه على الإنتاج مع بيتر سافرن. ويجسد ديفيد كورنسويت شخصية كلارك كينت (سوبرمان) بصورة أكثر دفئا وإنسانية، تختلف عن النسخ السابقة التي اتسمت بالجدية الزائدة. أما دور الصحفية الشجاعة لويس لين فتؤديه راشيل بروسناهان، في حين يقدم نيكولاس هولت شخصية العدو اللدود ليكس لوثر.
سوبرمان بلا مقدمات
عانت سلسلة أفلام دي سي السابقة من أزمات كبيرة على مستوى السرد والإنتاج، حتى باتت محل سخرية بين جمهور أفلام الأبطال الخارقين، ما دفع الأستوديو لإجهاض المشروع في النهاية وإغلاق ذلك الفصل والبدء من جديد.
وإن عدنا سريعا إلى بدايات الألفية الجديدة، سنجد أن منطق السوق يرجح كفة دي سي، فهي تمتلك أشهر شخصيات الأبطال الخارقين في العالم، وعلى رأسهم باتمان وسوبرمان. في المقابل، فشخصيات مارفل كـ”ثور” و”آيرون مان” و”كابتن أميركا” محدودة الشهرة نسبيا، قبل انطلاق عالمهم السينمائي.
لكن الحقيقة أن دي سي لم تنجح في استثمار هذه الشخصيات كما ينبغي. فقد جاءت معظم أفلامها متوسطة، وأحيانا دون هذا المستوى.
هنا تبرز الأسئلة: ما الجديد الذي يقدمه فيلم “سوبرمان” اليوم؟ هل ينبغي أن نقارنه بأفلام مارفل بوصفها المنافس الأول؟ أم أن التحدي الحقيقي يكمن في التفوق على إرث دي سي السابق؟ أم ننسى هذه المقارنات تمامًا، ونقيمه كفيلم قائم بذاته؟
يحاول جيمس غن من خلال فيلم “سوبرمان” الجديد أن يتجاوز أزمة التكرار التي تعاني منها أفلام الأبطال الخارقين: كل مرة يبدأ فيها عالم جديد، حيث يضطر المخرجون إلى إعادة شرح كل شيء من البداية. لكن هنا، اختار غن أن يدخل المتفرجين مباشرة إلى عالم مكتمل. لا مقدمات طويلة، ولا إعادة لرواية أصل سوبرمان، فحين نرى سوبرمان لأول مرة، يكون قد أنهى للتو معركة عنيفة، و”ليكس لوثر” يراقبه منذ سنوات، ويعرف الكثير عن قوته ونقاط ضعفه. وحتى العلاقة بين كلارك كينت ولويس لين بدأت بالفعل، ومستقرة منذ عدة أشهر.
جيمس غن يلون “دي سي”
لا يطلب الفيلم من المشاهد أن يتوقف كل بضع دقائق ليفهم ما يحدث، بل يراهن على أننا سنقبل هذا العالم كما هو، ونتعامل معه بمرونة، دون الحاجة إلى شروحات مكثفة. وتنجح هذه الرؤية، لأن جوهر الفيلم مبني على الثقة والأمل، وهما جوهر شخصية سوبرمان نفسه، أو على الأقل هذه النسخة منه.
انعكس هذا التفاؤل على الناحية البصرية للفيلم، فيتميز فيلم “سوبرمان” الجديد بطابع ملون وزاهٍ، وهو ما يُعد تحولا واضحً مقارنة بأفلام دي سي السابقة التي اتسمت بألوان قاتمة وأجواء أكثر جدية. هذا التغيير ليس عشوائيًا، بل يعكس اختيارات المخرج جيمس غن بوضوح. فكما رأينا في ثلاثية “حراس المجرة”، التي قدمها سابقًا مع مارفل، يتقن غن اللعب بالألوان ليصنع عالمًا بصريًا لا يُنسى.
في أفلام “جارديان أوف ذا غالاكسي”، كانت الألوان جزءا أساسيا من التجربة ، ويبدو أن جيمس غن يحمل معه هذا الحس البصري نفسه إلى عالم دي سي، ليمنح “سوبرمان” نكهة مبهرة بصريا، بعيدة كل البعد عن الكآبة التي اعتدناها من السلسلة السابقة.
من أبرز عناصر الفيلم الموسيقى التصويرية، فهي لا تعتمد فقط على الألحان الجديدة، بل تستدعي بذكاء “الموتيفات” الشهيرة من أفلام سوبرمان السابقة، تلك النغمات التي أصبحت جزءًا من ذاكرة الجمهور مع الشخصية. لكن اللافت أن الموسيقى هنا لا تكررها بشكل مباشر، بل تتلاعب بها، تغير في إيقاعها، وتعيد صياغتها لتناسب الطابع الجديد للفيلم.
هذه اللمسة الموسيقية تمنح الفيلم طابعا مميزا وتقليديا في آنٍ معا. فهو يحيي الإرث القديم لسوبرمان، وفي الوقت نفسه يعيد تقديمه بروح مختلفة. ويمكن أن نقول إن هذا الأسلوب الموسيقي يلخص فلسفة الفيلم ككل: الاحترام لما سبق، مع الإصرار على إعادة البناء بأسلوب عصري.
ولا شك أن هذا التوازن لم يكن ليتحقق دون رؤية جيمس غن، التي تجمع بين احترامه للمادة الأصلية، وبين قدرته على التعامل معها بذكاء وبصمة شخصية واضحة.
قراءات سياسية مثيرة للجدل
من النقاط التي أثارت بعض الجدل حول فيلم “سوبرمان” القراءة السياسية لأحداثه، وتحديدا ما يتعلق بالصراع العسكري الذي يدور بين بلدين خياليين ضمن القصة. بعض المشاهدين رأوا في هذا الصراع مجازا سياسيا يحاكي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واعتبروا أن الفيلم يلمح إلى قضايا واقعية من خلال هذا البناء الرمزي.
Film Review: James Gunn’s Superman cements Israel’s villain status in the American imagination
لكن، ورغم أن الأفلام تظل دائما نصوصا مفتوحة للتأويل، ومن حق أي متلق أن يقرأها من زاويته الخاصة، فإن هذه القراءة تبدو بعيدة عن السياق الواقعي لصناعة الفيلم. فالمخرج جيمس غن ليس من أصحاب الأيديولوجيات السياسية، الذين يمكن أن يضعوا رسائل سياسية مباشرة أو “مجازات مضادة” بهذه الحساسية، خصوصا في فيلم ضخم من إنتاج شركة مثل وارنر براذرز، التي تسعى لتحقيق أرباح على نطاق عالمي، وتُفضّل تجنب الخوض في صراعات سياسية مباشرة، خاصة في أفلام الأبطال الخارقين التي تستهدف جمهورا واسعا ومتنوعا.
بل إن غن نفسه صرح بوضوح: “عندما كتبت هذا، لم يكن الصراع في الشرق الأوسط يحدث. حاولت أن أخفف بعض التفاصيل كي لا يبدو هناك تشابه مباشر، لكن لا علاقة لهذا الصراع بالشرق الأوسط. الفكرة تتعلق بغزو من دولة أقوى، يحكمها ديكتاتور، ضد دولة ذات تاريخ سياسي معقّد لكنها بلا دفاع”.
هذا التصريح يؤكد أن ما يبدو للبعض إسقاطا سياسيا لم يكن مقصودا على مستوى الكتابة أو الإخراج، وإنما هو نتيجة تشابهات عامة قد تحدث عند تناول أي قصة عن القوة، والمقاومة، والاختلال في موازين القوى بين طرفين.