ناشط حقوقي جنوبي يكتب:كنا نحارب الأمية… حتى توحدنا مع الجهل!

✍️الناشط الحقوقي أسعد أبو الخطاب

في ثمانينات القرن الماضي، كان التعليم في جنوب اليمن منارة حقيقية.
نعم، في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، كان المعلم محترمًا، والمدرسة مجانية، والوعي في تصاعد، وكان الحديث عن أمية المواطن يُعد عيبًا وطنيًا.

لم تكن هناك مدارس خاصة ولا جامعات أهلية، بل كانت الدولة مسؤولة عن تعليم أبنائها، وملتزمة تمامًا ببناء الإنسان، كنا نبني جيلاً واعيًا، منظمًا، مثقفًا، مدنيًا، حتى جاءت الوحدة المشؤومة… ثم دخلنا النفق… نفق التخلف والفساد والانحدار… توحّدنا مع شمال يرزح تحت ميراث الجهل، فلم يأتِ الشمال إلى الجنوب بمنهجٍ، ولا بقيم، بل جاء بمنطق “ادفع تنجح، ادفع تتوظف، ادفع تتعالج، ادفع تعيش!

فجأة، تحوّل التعليم من حقّ مقدّس إلى سلعة، ظهرت المدارس الخاصة التي تبيع النجاح، واختفى المعلم الذي كنّا نقدّسه، وحلّ مكانه معلم “يُهان في راتبه، ويُحتقر في مكانته، ويُجبر على الغش بحجة الكتمان والتقدير.

انتشرت ظاهرة الغش كالسرطان، صار الطالب لا يجتهد بل يدفع، المعلّم لا يربّي بل يُساير، والمدير لا يدير بل يتقاسم أرباح السمسرة مع لجان فاسدة.

التعليم اليوم… مجرد ورقة مزوّرة تُباع في مطابع السلطة… لم نعد نُخرج أطباء بل تجّار طب، لا مهندسين بل مقاولين نصب، لا معلمين بل موظفي ملفات.

حتى المصانع التي كنا نملكها في عدن، لحج، حضرموت، شبوة،
كلها أُغلقت، نُهبت، أو أُهملت،
فمن كان يهدم الدولة، كان يعرف أن أول طريق للسيطرة هو “تحطيم التعليم”.

نعم، قضوا على كل جميل في وطننا… حوّلوا الجامعات إلى استثمارات عائلية… أفسدوا الأخلاق بالتقارير المزيفة والشهادات المشتراة… أهانوا المعلم، وشوّهوا صورة الموظف، وجعلوا من التعليم بوابة فساد منظم لا ينتهي.

أيها الجنوبيون:

عودوا إلى الوراء قليلًا، ستكتشفون أن ما ضاع لم يكن فقط نظامًا تعليميًا، بل ضاعت منظومة كاملة اسمها “الكرامة”.

كنا نحارب الأمية، واليوم نحارب التجهيل الممنهج، كنا نُخرّج أجيالًا تفكر، واليوم ننتج حشودًا تُصفّق للباطل!

نداءنا اليوم واضح وصريح:
إما أن نعيد التعليم إلى حضن الجنوب، أو نُسلّمه تمامًا للجهل والمهانة والارتزاق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Exit mobile version
Enable Notifications OK No thanks